القاهرة | في آخر «إبداعاتها» في المجال القضائي، أقرّت الحكومة المصرية مشروع قانون يهدف إلى منع تغطية المحاكمات الجنائية من دون موافقة أطراف هذه الأخيرة، على أن تكون عقوبة مخالفة ذلك السجن لما لا يقلّ عن عام وغرامة لا تقلّ عن مئة ألف جنيه (ستة آلاف دولار أميركي تقريباً) ولا تتجاوز مئتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. ويرتبط الفصل الجديد من الرقابة على المحاكمات الجنائية، وعلى رأسها المحاكمات الخاصة بالجرائم الإرهابية واتهامات الانضمام إلى جماعات إرهابية حيث يحاكَم الأشخاص باتهامات فضفاضة وأدلّة قائمة على تحرّيات جهاز «الأمن الوطني»، بصورة رئيسة، بمواقع التواصل الاجتماعي لا الصحف والمواقع والقنوات التي باتت تخضع للدولة مباشرة، أو على الأقلّ لا ترغب في إثارة غضب النظام ضدّها وتتجاهل هذه النوعية من القضايا، ولا سيما بعدما صارت تحت الرقابة على مدار الساعة.مشروع القانون الذي أُقرّ أول من أمس لا يكتفي بعقوبة السجن أو الغرامة فقط، بل يمتدّ ليشمل مصادرة الأجهزة أو أيّ وسيلة تصوير أو تسجيل مستخدمة، إذ يتيح لوزارة الداخلية الموكلة بالتنفيذ مصادرة الجهاز واستخدام الطريقة التي تراها مناسبة في التعامل معه سواء بمحو التسجيل أو تدمير الجهاز أو مصادرته. ويبدو أن المستهدف الأول من القانون الجديد حسابات مواقع التواصل، العائدة إلى الحقوقيين أو المحامين الذين ينشرون تفاصيل التحقيقات على رغم السرية التي تعمل بها الدولة في إنهاء بعض القضايا، لكنّ المحامين في غالبية الأحيان يشرحون تفاصيل ما حدث من انتهاكات عبر حساباتهم، وهو ما أخفق النظام في إيقافه حتى مع حبس بعض المتهمين وضمّهم إلى قضايا كان يفترض أنهم موكلون فيها للدفاع عن المتهمين.
لا يكتفي القانون بالسجن أو الغرامة بل يصادر وسائل التصوير والتسجيل


لا يقوّض المشروع الجديد حصراً حرية الإعلام التي قُيّدت بالفعل، بل نشر أيّ معلومات عن القضايا، خاصة أن هناك العديد من المستشارين الذين يرفضون السماح للإعلام بحضور الجلسات ويكتفون بالمحامين، أو حتى يشترطون تقديم أوراق اعتماد للمماطلة وتقييد الحضور في المحاكمات التي يستغلّها بعض المتهمين للحديث عن الانتهاكات بحقهم داخل السجون، من دون أن تستجيب لهم المحكمة، وهو ما تَكرّر أكثر من مرة مع متهمين في قضايا مختلفة، خاصة المحسوبين على جماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة. والأصل في الدستور والقانون علنية المحاكمات، لكن القانون الجديد، على رغم مخالفته الصريحة للدستور، لن يمكن الطعن عليه أمام «المحكمة الدستورية» والفصل في الطعن قبل ثلاث سنوات على الأقلّ، فيما يُتوقّع أن يُمرّره البرلمان المقبل من دون اعتراض أو حتى ملاحظات، ولا سيّما بعد تخلّص النظام من جميع المعارضين الحقيقيين تحت قبّة المجلس بتزوير الانتخابات ضدّهم.
المفارقة أن الحكومة تحاول تمرير مشروع القانون بما يحمل صبغة ديمقراطية، بادّعائها حماية المتهمين وأُسرهم من الأضرار التي تلحق بهم نتيجة نشر تفاصيل المحاكمات، علماً أن الإعلام بات لا ينشر تفاصيل التحقيقات مع المتّهمين حتى في القضايا العادية والجرائم بناءً على توجيهات مباشرة من النظام بضرورة التخفيف من نشر هذه الموضوعات. وستكون الحماية القانونية التي يحاول النظام ادّعاءها بحظر النشر في المحاكمات والجرائم الجنائية، بديلة من القرارات التي يصدرها النائب العام بحظر النشر في القضايا، أي أن الاستثناء الذي تَوسّع النظام في استغلاله سيصير قانوناً، مع الانتباه إلى أن الحظر سيشمل أيضاً تناول القضايا من جميع الجوانب وليس مسار التحقيقات فحسب، بما يُهدّد منظومة العدالة التي تعاني من تدخلات واسعة منذ وصول عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، خاصة أن الأخير صار متحكّماً باختيار رؤساء الهيئات القضائية المختلفة، فيما باتت الرئاسة تملي التعليمات على القضاة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا