في أول زيارة معلنة لمسؤولين مصريين إلى العاصمة الليبية طرابلس منذ ست سنوات، وصل وفد مصري استخباري وسياسي رفيع المستوى أمس، بقيادة وكيل جهاز «المخابرات العامة»، اللواء أيمن بديع، إلى جانب مسؤولين من وزارة الخارجية، في خطوة تسبق زيارة مرتقبة لوزير الخارجية سامح شكري، ورئيس المخابرات اللواء عباس كامل، يجري الترتيب لها، على أن يجري استقبال رسمي لرئيس حكومة «الوفاق الوطني»، فائز السراج، في العاصمة المصرية القاهرة قريباً، علماً بأنه أجرى زيارة سريعة وسرية لها الشهر الماضي.اللافت أن زيارة الوفد المصري جاءت بعد ساعات من مغادرة وفد عسكري تركي رفيع بقيادة وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، بعد مباحثات عقدها مع المسؤولين في «الوفاق»، ناقشت قضايا في مقدمتها استمرار التعاون بين الطرفين قريباً بجانب التنسيق العسكري والسياسي، ولا سيما في ما يتعلق بوضع الميليشيات والمرتزقة الذين وصلوا عبر رحلات جوية وبحرية من تركيا. وتوترت خلال الأسابيع الأخيرة علاقات الطرفين علناً بعدما قال الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إن اعتزام السراج الاستقالة لم يجرِ بشأنه أي تنسيق أو إبلاغ مسبق، علماً بأن مستوى الزيارات بين الجانبين تراجع كثيراً في الأشهر الأخيرة. لكن تبقى مشكلة المرتزقة واتفاقات ترسيم الحدود البحرية وباقي الاتفاقات العسكرية والسياسية والأمنية بينهما واستمرارها أحد العوائق الرئيسية أمام التسوية الشاملة في البلاد.
هكذا، تأتي زيارة الوفد المصري كمناورة سياسية بين القاهرة وأنقرة بطلها «الوفاق» التي تسعى مصر إلى إعادة احتوائها مجدداً، خاصة بعد استقبالها وفد القبائل الجنوبية ولقائهم مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في القاهرة. أما تركيا، فلا تزال تبدي دعماً لطرابلس كي تستمر في مواجهة التحالف المصري ــ الخليجي. كذلك، يُحسب دعم مصر لقوات خليفة حفتر، وللبرلمان بقيادة عقيلة صالح، ومعهما احتواء «الوفاق»، ضمن ترتيب أوراق السياسة الخارجية بما يخدم الموقف المصري لدى الإدارة الأميركية الجديدة. هنا، تصبّ الأهداف التركية في البقاء داعماً قوياً لـ«الوفاق» التي يعمل وزراؤها حالياً على تسوية أوضاعهم مع القاهرة وأنقرة في آن واحد، رغم الهوّة الكبيرة بين مطالب الجانبين.
في التفاصيل، وعد الوفد المصري بإعادة فتح السفارة لدى طرابلس بعد ست سنوات من الإغلاق، لكن بشرط توفير الحماية لطاقم السفارة الذي سيأتي مع إعادة الرحلات بين القاهرة وطرابلس مباشرة وتسهيل السفر وغيرها من الإجراءات التي ستسهّل الحركة للمواطنين، إلى جانب الترحيب باستضافة قيادات «الوفاق» في العاصمة المصرية. في المقابل، تعمل تركيا على مواصلة الدعم لـ«الوفاق» وتأكيد أحقيتها في السلطة منفردة مع العمل على مساعدتها عسكرياً بموجب القرارات المتخذة خلال الأيام الماضية، والقاضية بتمديد الوجود التركي على الأراضي الليبية والمساعدة في توفير الأمن والمساعدات اللازمة داخل العاصمة، مع التشديد على رفض «أنصاف الحلول».
وعدت القاهرة بإعادة فتح سفارتها في طرابلس والرحلات الجوية


بالعودة إلى مصر، هي تبارز في هذه المناورة بأوراق عديدة على المستوى الدولي، أبرزها الدعم الفرنسي، فضلاً عمّا حققه حفتر بمساعدة خليجية، وتحديداً إماراتية، من تفاهمات مع إيطاليا، ما يعني أن التوافق الذي تلعب عليه القاهرة يبدو على المستوى النظري أقرب من التحركات التركية التي لم تحز دعماً سوى من مالطا تقريباً. لكن مخاوف «الوفاق» من الموقف المصري لا تزال قائمة، خاصة مع طلب المصريين تنازلات كبيرة في البداية. ورغم استمرار قنوات التواصل على مستوى المخابرات في السنوات الست الماضية، فإن القاهرة تريد الآن التحدث باسم جميع الأطراف، وليس باسم حفتر وصالح فقط، ما يمهّد لاجتماع ثلاثي للقادة الليبيين على الأراضي المصرية، في حال استمرار هذا المسار.
صحيح أن الترتيبات المصرية جرت بالتنسيق مع حفتر وصالح، لكن الورقة المصرية التي قُدّمت إلى ممثلي «الوفاق» جاءت مليئة بتفاصيل وخطوط عريضة لمرحلة ما بعد توحيد النظام والسلطة، وقد ارتكزت على السعي نحو حلول توافقية في ملفات عديدة، بما يسهم في تحقيق انفراجة سياسية حقيقية، علماً بأن هذه المطالب تضمنت تعهداً مصرياً بمنع حفتر من التحرك عسكرياً مجدداً تجاه «الوفاق»، والعمل على رأب الصدع، رغم لغة التصعيد الأخيرة التي تضمنت تهديدات جديدة بالحرب.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا