مع لحظة بدء «الركن الشديد» رسمياً، أطلقت المقاومة رشقات صاروخية متعدّدة تجاه بحر غزة، فيما شوهدت طائرات مسيّرة تحلّق في أجواء منطقة المناورات الرئيسة وقبالة البحر، مع انتشار للمقاتلين خاصة على الشريط الساحلي، بالتزامن مع مناورة بحرية، إضافة إلى مناورات مشتركة لقوات النخبة التي حاكت عمليات هجومية ودفاعية. ووفق متحدّث عسكري باسم «الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة»، جرت «المناورة الدفاعية» بالذخيرة الحيّة، وشملت سيناريوات متعدّدة ومتنوعة في مناطق القطاع من شماله حتى جنوبه، وهي «تحاكي تهديدات العدو المتوقّعة، وتهدف إلى رفع كفاءة مقاتلي المقاومة للقتال في مختلف الظروف والأوقات».
مع أن المناورة لم تشمل استعراضاً واسعاً للأسلحة، فإنها استعرضت الحِرَفية العالية التي وصلت إليها الوحدات العسكرية للمقاومة بعد سنوات طويلة من الإعداد والتدريب. كما ظهرت في الميدان أنواع مختلفة من الأسلحة النوعية بما فيها الصواريخ المضادّة للدبابات «كورنيت» والقذائف الأخرى الشبيهة بها، إضافة إلى استعمال أنواع من الصواريخ، والاستفادة من الأنفاق الأرضية التي استخدمتها وحدات النخبة ومحاكاتها الالتحام مع العدو في عمليات هجومية وأخرى دفاعية. وإلى جانب الصواريخ، استعرضت المقاومة صواريخها المضادّة للطيران من نوع «سام 7»، إضافة إلى أسلحة القنص المتطوّرة، كما أنه لأوّل مرّة أشركت الفصائل وحدات الكلاب البوليسية المدرّبة.
بدا واضحاً تركيز المقاومة في مناورتها المشتركة على وحدات النخبة، إضافة إلى الكوماندوس البحري، على أنهم عنوان المواجهة مع الاحتلال خلال الحرب المقبلة، مع كونهم الوحدات التي سيُعتمد عليها في تنفيذ عمليات الهجوم ومباغتة العدو. وجرت مناورة على الشاطئ شملت محاكاة لعمليات سابقة على شواطئ فلسطين المحتلة، إلى جانب عمليات لزرع ألغام بحرية تستهدف سفن العدو، وهو أيضاً ما يُكشف عنه لأول مرة، ومن شأنه شلّ الملاحة في موانئ العدو في حال إطلاق أعداد كبيرة من تلك الألغام.
في المقابل، حاكت المناورة تعرّض شواطئ القطاع لعمليات إنزال من وحدة «شيطيت» الإسرائيلية كما حدث في الحرب الأخيرة على غزة عام 2014، وقد تمّ التدرّب على التصدّي لها وقتل عناصرها وأسر آخرين. وبدا واضحاً اعتماد قوات النخبة على تكتيكات دفاعية وأخرى هجومية، فقد حاكت مواجهة قوات عسكرية تدخل القطاع والانقضاض عليها وقتْل وأسْر جنود منها، وهو السيناريو الذي يخيف الاحتلال ويردعه برّاً، ولا سيما مع تطوّر القدرات القتالية لدى وحدات المقاومة التي باتت أكثر تنسيقاً وخفّة في التحرك واستخدام أساليب التحام تحيّد التفوق التكنولوجي الإسرائيلي.
لم يكن التركيز على استعراض الأسلحة بقدر الحِرَفيّة العالية وتطوّر الأداء


أيضاً، حاكت المناورة عمليات الالتحام المباشر مع القوات والآليات العسكرية، وخاصة دبابات «الميركافا»، وتفجيرها واقتحامها وأسر الجنود من داخلها. وأظهرت التدريبات بناء المقاومة نماذج مطابقة في الحجم والشكل لـ«الميركافا» بأنواعها كافة، الأمر الذي يحمل رسالة بأن المقاومة درّبت عناصرها على مواجهة آليات العدو بالتفصيل. كذلك، لم تخلُ المناورة من محاكاة تنفيذ هجوم على موقع عسكري للاحتلال، السيناريو الذي يخشاه العدو بقوة خلال المواجهة المقبلة وخاصة في منطقة «غلاف غزة» التي ربّما ستكون مسرحاً لعمليات وحدات النخبة. وبدا من التحرّكات الخفيفة والسريعة للعناصر قدرتهم على المباغتة وضرب الأهداف والعودة منها بسرعة.
ولأهمية الصورة في المعركة، استعرضت المقاومة امتلاك جميع الوحدات القتالية لديها وخاصة النخبة «الكاميرات الذاتية» على رؤوس الجنود لتوثيق العمليات، وهو ما له أثر كبير وبالغ خلال المعركة وبعدها، كما حدث في عملية «ناحال عوز» إبّان الحرب الماضية. ولعلّ الأبرز هو استخدام طائرات الاستطلاع المصنّعة محلياً، والتي حلّق عدد منها في سماء قطاع غزة وفوق مكان التنفيذ. والأبرز أيضاً هو النموذج الذي يشبه طائرات «سكاي كلارك» التي تستخدمها الألوية في جيش الاحتلال، بعدما استطاعت المقاومة السيطرة على عدد منها وصنع نماذج مطابقة لها.