القاهرة | مطروداً! هكذا خرج رئيس مجلس النواب المصري السابق، علي عبد العال، بعدما سجّل سابقة برلمانية لم تعرفها البلاد على مدار سبعة عقود، وهي عودة رئيس المجلس ليكون عضواً عادياً. خطوةٌ بدأ التمهيد لها مبكراً، لكن الرجل الذي ظلّ قريباً من الرئيس عبد الفتاح السيسي حتى اللحظات الأخيرة، لم يقدر على استيعاب الإقصاء الذي أُعلن فجأة ليلة انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد. اختار النظام الدفع برئيس «المحكمة الدستورية» السابق، المستشار حنفي الجبالي، الذي دخل مجلس النواب منتخَباً عن ائتلاف «القائمة الوطنية» بعدما بلغ سنّ التقاعد في 2019، ليُسجّل بانتخابه أكثر من سابقة برلمانية، ويصير الرئيس الـ 51 لمجلس النواب، وأوّل رئيس لمحكمة يرأس البرلمان، فضلاً عن حصاده الغالبية بعدما فاز بـ 508 أصوات.عبد العال اختار الانسحاب بعد إعلان حزب «مستقبل وطن» ترشيح الجبالي، ليقتصر حضوره على أداء القسَم في الجلسة الافتتاحية للمجلس، ثمّ المغادرة من دون أيّ مشاركة بعدما كان قبل أيّام قليلة المتحدّث الرئيسي تحت قبّة البرلمان. الرجل الذي سُجّلت له أخطاء كثيرة تبدأ من لغته العربية، مروراً بالتواصل مع النواب، وصولاً إلى إدارة علاقته مع رموز الدولة أو حتى مع بعض حلفائهم، بات خرج المشهد بدفع من تلك العوامل جميعها وغيرها، علماً بأن انتخاب رئيس المجلس ووكيلَيه يأتي بعد كلّ انتخابات ليستمرّ كلّ منهم في منصبه خمس سنوات. ومن بين العوامل المذكورة وراء قرار إطاحة عبد العال الذي دافع عن النظام ومرّر قوانينه، خلافه مع رئيس محكمة النقض الأسبق، سري صيام، الذي فَضّل الاستقالة من المجلس بعد تعيينه من قِبَل رئيس الجمهورية، وطريقة إدارته بعض الجلسات وصدامه المتكرّر مع «ائتلاف دعم مصر» الذي نجح ضمن قائمته، وانتقاده علناً عمليات الابتزاز التي مارستها قيادات «مستقبل وطن» خلال آخر عامين على خلفية دعم المخابرات لهم بقيادة اللواء عباس كامل، والأخير أدّى الدور الأكبر مع مساعديه في اختيار التشكيلة البرلمانية الجديدة التي فاقت نسبة التغيير فيها 75%.
مهما يكن، خرج عبد العال بطريقة مهينة، فلا هو جرى إبعاده واعتذر مكتفياً بما قَدّم، ولا هو استطاع أن يستمرّ في المنصب بعدما هبط عليه بـ»الباراشوت» قبل خمس سنوات استغلّها في تصفية خلافاته السابقة ودعم النظام وإقصاء المعارضة، ليكون «رجل القانون» الذي خالف أحكام «محكمة النقض»، أعلى جهة قضائية، ورفض الاعتراف بالتزوير المثبت في الانتخابات لإبعاد الدكتور عمرو الشوبكي وتصعيد أحمد مرتضى منصور، المحامي الشاب الذي حمت الحصانة البرلمانية والده من مئات البلاغات أمام النائب العام، وحتى هذه رفض رئيس البرلمان السماح بالتحقيق فيها بداعي حصانة النائب.
الجبالي هو القاضي الذي أغلق ملفّ ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية


في عهده، غاب الدور الرقابي للبرلمان على الحكومة. فخلال خمس سنوات، لم يُقدَّم سوى استجواب وحيد لوزيرة الصحة، هالة زايد. أمّا باقي المناقشات، فلم يعد لها مكان. حتى جلسات النواب مُنعت من البثّ التلفزيوني بعد أيّام من الانعقاد الأول، ما أثار حالة من الضيق لدى كثير من نواب المعارضة الذين فقد معظمهم مقاعدهم في الانتخابات الأخيرة على غرار فقدان عبد العال منصبه... مع إشادة مقتضبة بدوره من قِبَل الرئيس الجديد! بهذه الطريقة، يُكرّم نظام السيسي رئيس «الدستورية» السابق، الجبالي، ويقصي عبد العال ومعه آخر رجاله الأمين العام السابق للمجلس، المستشار محمود فوزي، الذي أُجبر على الاستقالة بعد الجلسة الافتتاحية التي شهدت أيضاً إقصاء وكيل المجلس، سليمان وهدان، في الانتخابات، بعدما اتفق النواب على اختيار رجل الأعمال محمد أبو العينين، وهو من أبرز فلول «الحزب الوطني» المحلول، وحالياً نائب رئيس «مستقبل وطن»، ليكون وكيلاً، إلى جانب المستشار أحمد سعد، الأمين العام الأسبق لمجلس النواب والعضو المنتخَب ضمن القائمة.
أمّا حنفي الجبالي، ففي سجله خدمة كبيرة للسيسي، هي إغلاقه ملفّ ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، إذ أصدر قراراً بـ«عدم الاعتداد بجميع الأحكام الصادرة»، ليستمرّ تطبيق الاتفاقية ونقل ملكية الجزيرتين من دون تغيير الموقف القانوني، على رغم صدور أحكام نهائية من «مجلس الدولة» ببطلان الاتفاقية، وهي القضية التي تولّى رئاسة الجلسة فيها بنفسه بعد تنحّي رئيس المحكمة آنذاك، إذ كان يشغل منصب النائب الأول للأخير. وخلال أيّام، ستكتمل لجان البرلمان، وسيُدعى السيسي لحضور الافتتاح للفصل التشريعي الجديد في مقرّ المجلس الحالي وسط القاهرة، قبل أن ينتقل في دور الانعقاد المقبل إلى المقرّ الجديد في العاصمة الإدارية الجديدة. لكن تركيبة هذا البرلمان الذي يُفترض أن يشهد استقالة للحكومة الحالية وتكليف حكومة جديدة (يرجّح استمرار رئيس الوزراء الحالي، مصطفى مدبولي، على رأسها) تُرسّخ مبدأ مهمّاً في المغالبة لا المشاركة، وهو ما عَبّر عنه «مستقبل وطن» بوضوح عبر نوابه.
خلال عهد البرلمان السابق، اعتمد الرئيس في تمرير القرارات والقوانين على «ائتلاف دعم مصر»، لكن اليوم مع حصول «مستقبل وطن» المخابراتي على الغالبية، سيرغب الحزب في السير منفرداً من دون مناقشة، ما يجعل قرارات البرلمان تُتّخذ في مقرّ الحزب الواقع في ضاحية التجمّع الخامس، لا تحت القبة التي سيأتي النواب إليها بموافقات مسبقة بلا مناقشة!