يسعى رئيس «المجلس الرئاسي» الليبي المنتخَب، محمد المنفي، لفتح صفحة جديدة مع مختلف الأطراف خلال المرحلة الحالية، ليس ترقُّباً لنيل حكومته برئاسة عبد الحميد دبيبة الثقة فقط، بل للعمل على إصلاح الأضرار البالغة التي طاولت البلاد جرّاء الاقتتال بين قوات خليفة حفتر وحكومة «الوفاق الوطني» برئاسة فائز السراج، الذي يتابع المشهد من بعيد بعد تعهُّده بتسليم السلطة للحكومة الجديدة المنتخَبة برعاية أممية. وزار المنفي بنغازي للقاء حفتر، الذي تلقّى وعوداً من الأول بنيله قيادة المؤسّسة العسكرية، مقابل مساعدته في توحيد هذه المؤسّسة.ومع أن صلاحيات المنفي تجعله قادراً نظرياً على إقالة حفتر، فإن التنسيق الحالي قائم على مبدأ التعاون. ومن هنا، تعهّد الأخير بزيارة العاصمة طرابلس قريباً، والعمل مع الأوّل على حلّ أزمة الميليشيات الموجودة وإخراج المرتزقة من البلاد، على أن يبدأ مساعدو الرجلين ترتيب لقاء بعد الاستماع لجميع الآراء من مؤيّدي اللواء المتقاعد ومعارضيه. زيارة المنفي إلى بنغازي قوبلت بمعارضة «إخوانية» وانتقادات واسعة، ولا سيما أن حفتر أعلن صراحة معاداته لجماعة «الإخوان المسلمين». وإن كانت هذه القضية تُنذر بمواجهات سياسية، فإن التأثير على أرض الواقع لن يكون كبيراً، خاصة مع سعي المنفي إلى طمأنة جميع التيارات إلى أنه لم يجرِ تهميش أحد، الأمر الذي سيضع التشكيل الحكومي الذي بدأه دبيبة أمس رهناً بإرضاء الجميع.
أغضبت زيارة المنفي إلى الشرق مناصري «الإخوان المسلمين»


في سياق موازٍ، تعهّد رئيس «الرئاسي» بدعمَ نتائج اجتماعات لجنة «5+5» العسكرية من أجل توحيد المؤسّسات خلال الأشهر القليلة المقبلة، على أن يدرس معها آلية التعامل مع المرتزقة، قبل أن تتحوّل إلى أزمة جوهرية خلال المفاوضات. كذلك، شملت تحرّكات المنفي زيارة طبرق أمس بعد بنغازي، ما يعكس رغبة، ولو شكلية، في تحقيق المصالحة المرهونة بمدى الاستجابة للمطالبات المتناقضة لمختلف الفصائل. وسيعقد المنفي، أيضاً، لقاءً مع السراج في طرابلس لاحقاً، إضافة إلى لقاء آخر مع وزير الداخلية في «الوفاق»، فتحي باشاغا، من أجل مراجعة الأوضاع الأمنية. لكن جزءاً من الصعوبات التي تواجه المسؤول المنتخَب هي طبيعة العلاقة مع تركيا التي أعلنت التزامها وجودَ قواتها على الأراضي الليبية ما لم تلغِ الحكومة الجديدة الاتفاقات الموقَّعة، وهي نقطة جوهرية في التوافق الذي يسعى له رئيس «الرئاسي»، خاصة أن حفتر يرفض التعاون مع أنقرة التي لديها قوات على الأرض، فضلاً عن السلاح الذي وصل بالفعل على دفعات خلال المدة الماضية.
اتصالات المنفي خلال الأيام الماضية مع قادة العالم المعنيّين بالأزمة الليبية، شدّدت على منع التدخل العسكري على الأرض، وعلى الطبيعة التنموية للنشاطات التي تسعى الحكومة لإقرارها قريباً، سواء بالتوسُّع في مشروعات سيجري تنفيذها لتحسين حياة المواطنين، أو حتى في حلّ الأزمة الاقتصادية التي بدأت الحكومة المنتخَبة بالفعل التعامل معها. والترقُّب الذي يسود لتحركات المنفي سيستمرّ، خاصة أن الرجل على أجندته الأسبوع الجاري لقاء مع السفراء الأجانب في ليبيا، إضافة إلى اتصالات مع عدد من الدبلوماسيين الليبيين في الخارج، فيما يُنتظر أن يتابع مع رئيس الوزراء المكلَّف نقاطاً بينها مقرّ الحكومة الانتقالية الذي تزايدت المطالب بنقله إلى سرت بدلاً من طرابلس، لتأكيد حياد السلطة الجديدة وابتعادها عن الانحياز.