منذ سقوط مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، بيد تنظيم «القاعدة» في الأسبوع الأول من العدوان السعودي على اليمن، لم تشهد المحافظة أي تحرك لقوات «التحالف» أو القوى اليمنية الملتحقة بها، بالرغم من أن مقار «القاعدة» علنية في المدينة، بما فيها المقار القيادية، وفي مقدمها القصر الجمهوري الذي يقيم فيه «أمير القاعدة في جزيرة العرب»، خالد باطرفي. وفي الأساس، جاءت سيطرة «القاعدة» على المكلا في نيسان الماضي، بطريقة تثير الكثير من التساؤلات، إلى درجة أن أبناء المحافظة يعتبرون أن ما حصل هو عملية «تسليم وتسلم» قامت بها القوى العسكرية الموالية للرئيس الفار عبد ربه منصور هادي مع عناصر التنظيم.
دخول «القاعدة» إلى المكلا مكّنه من السيطرة على المرافق الحيوية، ومنها ميناء المدينة، بالإضافة إلى سيطرته على الشركات النفطية، فيما مجموع الجباية التي ترد إلى خزينته مليون ونصف مليون دولار يومياً، الأمر الذي يجعله التنظيم الأقوى في جنوب اليمن.
المراقب لمجريات الأحداث في الجنوب اليمني ليس بحاجة إلى الكثير من التفكير ليكتشف أنه لا يوجد قرار لدى دول «التحالف» بمحاربة «القاعدة» و«داعش». وبالتدقيق أكثر، يكتشف من خلال دعم دول «التحالف» التنظيمات السلفية التي تمد جسوراً قوية مع التنظيمات المتطرفة («القاعدة» و«داعش»)، أن ارتباطاً قوياً بالوكالة يتم بناؤه، وأن هذا الارتباط يزداد متانة مع مشاركة قوى سلفية أقرب إلى «القاعدة» و«داعش» في معارك تعز ومأرب إلى جانب القوى المستقدمة على الحدود اليمنية السعودية تحت راية هذا «التحالف».
هرع أهالي المكلا إلى محطات الوقود ومحالّ الأغذية بعد حصار الميناء

في سياق متصل، حاصرت بارجتان حربيتان يوم الثلاثاء الماضي ميناء المكلا تحت تحليق كثيف لطائرة «أباتشي»، بالتزامن مع الطلب من السفن الراسية في الميناء أو التي تنتظر الدخول إليه (عددها 20) ولا تحمل تصريحات من «التحالف»، المغادرة الفورية بعد إطلاق النيران التحذيرية من الطائرة.
بعدها، أبلغت البارجتان «كونترول» الميناء عبر اللاسلكي بضرورة التأكد من تفتيش السفن خشية وجود أسلحة ومتفجرات على متنها آتية إلى تنظيم «القاعدة»، وتحريض القبطان في «الكونترول» على ضرورة «محاربة القاعدة وإخراجه من المكلا»، وتأكيد أن «التحالف» سيقدم الدعم المطلوب لطرد «القاعدة». إلا أن القبطان ردّ بأنه موظف فني، وليس الجهة التي يجب توجيه هذا الخطاب إليها.
من جهته، تواصلت إدارة الميناء مع البوارج للسماح بدخول سفينة الحاويات لكونها تحمل حاويات إغاثة لأهالي حضرموت لمواجهة وباء حمى الضنك الذي يفتك منذ شهر بأهالي المكلا والمدن الأخرى في المحافظة. وبعدما تم تفتيش سفينة الحاويات وسفينة اسمنت روسية، ادعت أن السفن تحمل مواد متفجرة وأسلحة ولن يسمح لها بالدخول.
بعض المواطنين استبشروا خيراً وحفلت مواقع التواصل الاجتماعي بأخبار تظهّر ما حصل في ميناء المكلا على أنه «طليعة القوات القادمة التي ستخلص أهالي المكلا من القاعدة»، فيما شعر البعض الآخر بشبح الحرب فهرعوا متزاحمين إلى محال الأغذية ومحطات البترول.
لكن سرعان ما تبين لهؤلاء أن كل ما حصل لا يشير إلى أن محاربة «القاعدة» مدرجة في أجندة «التحالف» وقواته، وأنه لو صحت هذه الفرضية لكان يفترض بهذه القوات التجهيز والتهيئة والتمهيد، ثم تحشيد القوى العسكرية البرية والبحرية والجوية والتواصل مع القوى المحلية النافذة؛ وأبرزها قوى «الحراك الجنوبي» وحلف القبائل. «الأخبار» تواصلت مع قادة في الفصيلين المذكورين في المحافظة، أكدوا أن شيئاً من هذا القبيل لم يحصل، ونفوا علمهم بأي خطة لقوات «التحالف»، على الرغم من إبداء الجاهزية والاستعداد للتخلص من القوى المتطرفة في المحافظة.
وأضافت المصادر لـ«الأخبار» أن إحداثيات مقار «القاعدة» العلنية وغير العلنية موجودة لدى قوات «التحالف». وكان التنظيم قد نقل في الأسبوع الماضي أسلحة ثقيلة؛ منها دبابات ومدرعات تحمل قاطرات إلى معسكرهم في منطقة الأدواس القريب من الوادي. وقد تعطلت قاطرة تحمل دبابات في عقبة عبدالله غريب وأغلقت الطريق الوحيد بين الساحل والوادي لمدة أربعة أيام ولم يتم قصفها من قبل «التحالف». كما أن مندوبي «القاعدة» كانوا يوم الثلاثاء الماضي في ميناء المكلا، بالإضافة إلى القوة الخاصة بـ«القاعدة» التي تتخذ من فندق حضرموت مقراً لها من دون أن تتعرض لأي تهديد، فيما يعمل «القاعدة» على إنشاء شبكة أنفاق ويحشد في معسكراته على مرأى من الناس.
وعلمت «الأخبار» أن قوى محسوبة على «القاعدة» تجري مشاورات مكثفة لاستبدال «المجلس الأهلي»، الذي يدير الشؤون العامة في حضرموت والقريب من «القاعدة» والذي تعصف به الخلافات بين الجناح السلفي وجناح «الإصلاح»، بمجلس من «الشباب والأعيان» لإدارة الخدمات العامة، ويبدو أن هذا الخيار أصبح جدياً، ولا سيما أن «القاعدة» أوقف المساعدة المالية التي كانت تقدم لحساب «المجلس الأهلي»، تمهيداً لإجراء التغيير المذكور.