القاهرة | بعد نحو عام من انطلاق حملة جمع الأموال من أصحاب العقارات والقاطنين تحت مسمّى تسوية المخالفات البنائية التي ارتُكبت خلال السنوات العشر الماضية، بدأ النظام المصري تطبيق مزيد من الإجراءات التي ستُدخل مليارات الجنيهات إلى خزينة الدولة خلال الأشهر المقبلة، وبشكل مستدام. وأقرّ الرئيس عبد الفتاح السيسي، في أيلول/ سبتمبر الماضي، تعديلات قانونية ستَدخل حيّز التنفيذ يوم 6 آذار/ مارس المقبل، تتضمّن تسجيل الملكية العقارية من خلال «الشهر العقاري» حصراً، وهو الجهة التي تتبع لوزارة العدل، على أن لا يتمّ الاعتراف بالأحكام القضائية الصادرة في شأن تملُّك الأفراد للوحدات، وهي الطريقة التي كان يتمّ التعامل بها لتسجيل الملكية باعتبارها الأقلّ ثمناً، بالإضافة إلى كونها الأسهل والمتعارَف عليها منذ سنوات.وتضمّنت التعديلات الجديدة إيقاف أيّ تعاملات جديدة مع مُلّاك هذه العقارات والجهات الخدمية، فضلاً عن عدم الاعتراف بعمليات البيع والشراء التي تتمّ بعد 6 آذار ولا تُسجَّل في «الشهر العقاري»، مع اتباع إجراءات قانونية ستستغرق نحو عام للانتهاء منها، وتحميل أصحاب العقارات رسوماً تُقدَّر بآلاف الجنيهات يتمّ سدادها دفعة واحدة عند الرغبة في بيع العقار أو تقسيمه بين ورثة. وبخلاف الرسوم التي تصل إلى أكثر من 250 دولاراً تقريباً مُوزَّعة بين عدّة جهات، فإن ملّاك العقارات سيكون عليهم نشر إعلانات في جريدة «الأهرام» الحكومية كأحد الشروط لإشهار وحداتهم السكنية، في خطوة ستجلب إعلانات سنوية بمليارات الجنيهات للمؤسّسة التي تعاني من أزمات مالية، على حساب جيوب المواطنين، لا سيما أن القانون لم يحدّد بديلاً للجريدة الأقدم في مصر كمكان لنشر الإعلان.
وبحسب مصدر في وزارة المالية تحدّث إلى «الأخبار»، فإن العائد المُتوقّع من تطبيق القانون الجديد ولائحته التنفيذية سيفوق مليارَي جنيه في الشهر على الأقلّ، وفق التقديرات التي وضعتها الحكومة لتكون ضمن موازنة العام المالي الجديد، باعتبارها من مصادر الدخل المهمّة، إلى جانب باقي الأموال التي سيتمّ سدادها في عمليات التصالح على المخالفات، علماً أن جزءاً من الأخيرة سيذهب لصالح عمليات الإزالة الواسعة المُخطَّط لتنفيذها لآلاف العقارات من أجل إعادة بناء بعض الأحياء وإخلاء البعض الآخر من السكّان لتوسيع الطرق. ويلفت المصدر إلى أن المبالغ المالية ستُوزَّع بين عدّة وزارات، وسيحصل موظّفو «الشهر العقاري» على نسبة من العقود التي سيقومون بإبرامها وفق اللائحة الجديدة، بما يسمح بتعيين دفعات جديدة من الموظفين خلال الفترة المقبلة، لا سيما مع النقص الحادّ في أعداد العاملين نتيجة وقف التعيينات منذ سنوات، فضلاً عن تسديد مليارات أخرى للدولة من خلال الضريبة العقارية. ويلفت إلى أن القانون الجديد يُعدّ بمثابة حلقة في سلسلة حلقات ستجعل جميع العقارات مُسجّلة وفق أجندة واضحة لدى الحكومة، وبما يمنع على المدى المتوسّط عمليات التهرُّب واسعة النطاق من الضريبة العقارية، مع تسديدها مضاعفة وبناءً على سنوات سابقة لِمَن تَثبت ملكيّته لأكثر من عقار، مؤكداً أن قيمة المبالغ المُحصَّلة من الضرائب العقارية ستزيد مع بدء تطبيق القانون.
وبحسب مُطوّرين عقاريين، فإن القرارات الجديدة سيكون من شأنها إحداث صدمة في سوق العقارات وعمليات البيع والشراء، بسبب تَحوُّل هذه العملية من خطوات بسيطة تُسدَّد عنها رسوم رمزية، إلى خطوات مليئة بالتعقيدات ربّما تصل كلفتها في بعض العقارات إلى 10% من قيمتها، الأمر الذي سيحدّ كثيراً من التوسُّع في الاستثمار العقاري باعتباره أحد الملاذات الآمنة للحفاظ على الأموال. ويثير تطبيق القانون الجديد مخاوف لدى العديد من رجال الأعمال، خصوصاً في ما يتعلّق بآلية التعامل، في وقت تحاول فيه الحكومة تخفيف الصدمة، والطمأنة إلى أن من سيُطبَّق عليه القانون على الفور هو مَن يرغب في البيع أو الشراء في الفترة الحالية وليس جميع المواطنين، فضلاً عن أن ما سيحدث هو اقتطاع جزء من كلفة البيع لصالح الدولة، الأمر الذي سيعني أن جميع الفئات الفقيرة قبل الغنية سيكون عليها الاحتكام للرسوم والإجراءات نفسها.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا