دخلت السلطة الانتقالية المنتخَبة في ليبيا مرحلةَ انتزاع شرعيّتها من قِبَل الأطراف المتحاربين في هذا البلد، والذين يسعون إلى عرقلة تسلُّم السلطات الجديدة مقاليد الحكم، وفق ما هو مقرّر. ويَضع كل طرف مزيداً من العراقيل، مِن البرلمان بقيادة عقيلة صالح الذي كان طامحاً إلى رئاسة «المجلس الرئاسي» ولكنّه خسر في الجولة الأخيرة، أو حتّى قيادة الجيش المنضوية تحت لواء خليفه حفتر. وعلى رغم ترحيب هذا الأخير بفوز رئيس «المجلس الرئاسي»، محمد المنفي، في انتخابات «ملتقى الحوار السياسي»، واستقباله له في بنغازي بعد عودته إلى ليبيا، إلّا أن مدير إدارة التوجيه المعنوي، خالد المحجوب، فجّر مفاجأة برفض الجيش تسليم قيادته لرئيس «المجلس الرئاسي»، مع تسلُّم السلطة الانتقالية لمقاليد الحكم بحلول النصف الثاني من الشهر الجاري كحدٍّ أقصى، مؤكداً أن قيادة الجيش لن تسلَّم إلّا لرئيس منتَخب ديموقراطياً من قِبَل الشعب الليبي.تصريحات المحجوب تعني أن المنفي الذي يفترض أن يكون - بحكم منصبه - قائداً أعلى للجيش، لن يتمكّن من أداء مهمّته، وهو ما يهدم كل محاولات توحيد المؤسّسة العسكرية خلال المرحلة الانتقالية، ويرجئ هذه الخطوة إلى أجل غير مسمّي، ما قد يعني تهديد العملية الانتقالية برمّتها، والتي يُفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات عامة في الـ 24 من كانون الأوّل/ ديسمبر المقبل. واشترط المحجوب - الذي يتحدّث باسم حفتر في بعض الأمور التي يمكن التراجع عنها -، بشكل واضح خروج المرتزقة من ليبيا، لإعادة هيكلة الجيش، ليكون جيشاً نظامياً موحّداً لديه القدرة على فرض السيطرة على جميع المناطق. هذه التصريحات جاءت ردّاً على ما أدلى به رئيس الوزراء الليبي المكلّف، عبد الحميد دبيبة، من أن العلاقات مع تركيا تسير بشكل جيّد وبما يخدم المصالح المشتركة للبلدين، وإعلانه عدم مراجعة أيّ من الاتفاقات السابقة الموقّعة، في إشارة إلى اتفاقات ترسيم الحدود البحرية والتعاون العسكري التي يرفضها حفتر وحلفاؤه في مصر والخليج وفرنسا. تعليقات دبيبة حول هذا الملف تحديداً، أزعجت أطرافاً داعمين لحفتر ومواقفه، وهو ما أعاد شبح التوتّر في العلاقات بين السلطة التي لم تحصل على شرعيتها بشكل كامل بعد، وبين الأنظمة العربية التي شاركت في دعم حفتر على حساب حكومة الوفاق، بقيادة فائر السراج، والتي فضّلت الانحياز لتركيا والحصول على دعمها بشكل واضح، على مدى أكثر من عامين.
وبدأ أعضاء في مجلس النواب الليبي التحرُّك ضدّ رئيس الوزراء المكلّف، مطالبين بالتأنّي في منح حكومته الثقة، في وقت دعا فيه رئيس البرلمان، عقيلة صالح، إلى عقد جلسة لمجلس النواب في مدينة سرت يوم الثامن من آذار/ مارس الجاري، من أجل منح الثقة للحكومة، وسط اعتراضات ليس فقط على مكان انعقاد البرلمان، ولكن أيضاً على رئاسة صالح لهذه الجلسة الاستثنائية. ولا يُعتقد أن البرلمان سيكون قادراً على الانعقاد في هذا الموعد لأسباب كثيرة، من بينها عدم تأمين اللجنة العسكرية «5+5» بشكل كامل للمنطقة المقرّر فيها انعقاد البرلمان، وتأكيد رئيس اللجنة وجود ميليشيات مسلّحة في المنطقة، وأنه لا يملك قوّات يمكنها تأمين سلامة النواب. واقترح عقيلة صالح، في خطابه إلى اللجنة العسكرية، مدينة طبرق كمكان بديل في حال صعوبة تأمين انعقاد الجلسة في سرت، في وقت يفترض فيه أن يتسلّم مجلس النواب بياناً رسمياً من اللجنة خلال الأيام المقبلة للردّ بشكل واضح على مطلب رئيس البرلمان الذي يواجه انتقادات حتى من داخل البرلمان وحلفائه الذين يشعرون بتخلّيه عنهم، ولا سيما بعد عدم اتخاذه موقفاً لدعم منح بعضهم حقائب وزارية.
وسلّم دبيبة رئيس البرلمان تشكيلته الحكومية الجديدة التي يتكتّم على تفاصيلها، في وقت سيلجأ فيه رئيس الوزراء المكلّف إلى ملتقى الحوار السياسي للحصول على الثقة وبدء ممارسة مهمّاته اعتباراً من 19 آذار/ مارس، تمهيداً لإجراء انتخابات جديدة يوم 24 كانون الأول/ ديسمبر، وهو أمر يراه كثيرون مستحيلاً. وعلى رغم انفتاح دبيبة على أطراف عربية عديدة، إلّا أن تصريحاته الأخيرة في شأن الاتفاقات الموقّعة مع تركيا، دفعت إلى تجهيز ملفّات ضدّه يمكن استخدامها للطعن في شرعيته، من بينها اتهامات بشرائه أصوات ناخبين في عملية التصويت التي جرت خلال جلسات «ملتقى الحوار السياسي».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا