غزة | قبل أيام، طوّقت قيادة حركتي الجهاد الإسلامي وحماس خلافاً جديداً نشب بين عناصرهما بعدما أقالت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة غزة إمام مسجد إبراهيم الخليل مريد القانوع، الذي قال إن أسباب الإقالة سياسية، بينما أشارت الوزارة إلى أنه فُصل لانقطاعه عن الإمامة لشهرين.
تطورت القضية إلى اشتباك بالأيدي بين المصلين ثم استخدام السلاح في بعض مساجد شمال قطاع غزة. سرعان ما تدخلت القيادات السياسية لفض الاشتباك الذي قالت إنه فردي. المشكلة الأخيرة لم تكن الأولى، لكنها تسلط الضوء على مفترق طرق بين الحركتين.
منتصف آذار الماضي، خرج الأمين العام للجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلح، عبر شاشة الميادين خاطباً ودّ حماس. خطف الفرصة من بين يدي أعداء الأخيرة، معلناً أن عملية كسر الصمت التي خاضتها الذراع المسلحة لحركته ذلك الشهر كانت بالتنسيق مع حكومة غزة.
أكثر من ذلك. أعلن أنه التقى خالد مشعل في قطر. لاحقاً، تبين أن شلح يقود وساطة جديدة لتنسيق زيارة رئيس مكتب حماس لطهران (الأخبار 1 نيسان). بعد يومين من اللقاء الأول، ظهر الرجل مجدداً ليؤكد ما قاله، لكن عبر قناة «الجزيرة» القطرية.
على الأرض، لا يشبه الواقع ما تعلنه الحركتان رسمياً وإعلامياً، فالخلاف يحتدّ في مراحل كثيرة بين عناصرهما. مع ذلك، تسارع القيادات إلى احتواء الموقف، حتى في حال سقط قتلى أو جرحى.
وحدث اشتباك بين عناصر التنظيمين قبل أسبوعين داخل مسجد في مدينة خان يونس. يقول عنصر شهد الواقعة، لكنه رفض ذكر اسمه لـ«الأخبار»: «جاء ثلاثة قياديين معروفين في المنطقة ودخلوا المسجد واعتدوا علينا ثم طردونا».
أما عن سبب رفضه عرض اسمه، فعقّب: «قيادتنا (الجهاد) ترفض الاشتباك مع حماس، حتى لو كنا مظلومين. مجرد الحديث في الإعلام عن هذه الحوادث يعني اتخاذ إجراءات بحقنا. هذه الحادثة الخامسة في أقل من شهر».
مدينة رفح أيضاً كانت قد شهدت خلافاً كبيراً الشهر الماضي بين عناصر الحركتين. لأول مرة يُسجل الاحتكاك تحت عنوان «اعتداء شباب متشيعين على شيخ سلفي». طوّقت الشرطة تظاهرات جمعية ابن باز هناك. عقدت الجهاد وجمعيات دينية وعائلات وعشائر ندوة صلح. أكّد قياديون في الجهاد أن «حركتهم سنيّة بامتياز، رغم العلاقة المميزة التي تربطها بإيران».
آخر مراحل التأزم بين التنظيمين سُجلت في حزيران يوم قَتل عناصر من الشرطة التابعة لحماس قياديّاً في الجهاد اسمه رائد جندية. جندية وفق بيان حركته كان مسؤولاً عن إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل ونجا من عدة محاولات اغتيال. حماس رفضت الاعتراف بالمسؤولية عن الحادث وقالت إن جندية قتل نفسه بالخطأ حين مطالبته بتسليم نفسه للشرطة.
قَطعت الجهاد اتصالاتها بحماس. ليلتها أُطلقت 9 صواريخ غراد على المستوطنات بجوار غزة. ردّت إسرائيل بقصف مواقع تدريب في غزة مهددة بنسف التهدئة. خرج إسماعيل هنية ليعلن تشكيل لجنة تحقيق عليا. أفضت النتائج إلى الاعتراف بمسؤولية الشرطة عن الحادث دون تحديد هوية مطلق النار، ثم حُلّ الأمر عشائرياً، وعادت العلاقات بين الجهتين.


القاهرة - الجهاد

على المستوى السياسي، أكثر ما أزعج حماس وعبّر عنه المتحدث الرسمي باسمها فوزي برهوم هو التواصل المصري مع الجهاد. القاهرة سعت إلى تثبيت التهدئة بين المقاومة وإسرائيل بعد «كسر الصمت» وفق تفاهمات عام 2012. وافقت الجهاد الإسلامي على الوساطة واكتفت بإطلاق نحو 150 صاروخاً بمديات 5-8 كم.

نتائج التطوير الإيراني ظهرت في التصعيد الأخير بين الجهاد وإسرائيل


تعيش حماس
والجهاد في هذه المرحلة أزمة مالية كبيرة


القسام يسعى إلى معرفة أنواع السلاح الذي تدخله السرايا


لم ترَ قيادات الجهاد في تواصل القاهرة معها استثناءً لحماس. مثلاً، ممثل الجهاد في لبنان أبو عماد الرفاعي يرى أن معاملة حماس ضمن منظومة «الإخوان المسلمون» أدت إلى تجنب تواصل المصريين معها. وأضاف في تصريح صحافي: «نتفهم انزعاج حماس من استثناء الجانب المصري لها، لكن التنسيق بيننا لم يتأثر»، مستدلاً بـ«مشاركة رسمية وقوية لقيادة الجهاد في مهرجان لحماس عُقد في غزة بعد الاتصال المصري».
كذلك، القيادي محمد الهندي من الجهاد الإسلامي في غزة قال في تصريح متزامن إنه لا مانع لدى حركته من «الشراكة في إدارة شؤون الفلسطينيين بعد التوافق على مرجعية وطنية». هذا التصريح على غير ما تعلنه الجهاد الإسلامي دوماً. هي ترى أنه لا مجال لخوض أي تجربة سياسية ما قبل التحرير، بل ترفض المشاركة في ما تسميه «إفرازات اتفاق أوسلو».
مع ذلك، شاركت الحركة في الانتخابات البلدية التي عقدت عام 2005، لكنها لم تحصد رئاسة أي منها. اليوم ترى الجهاد أن شعبيتها تحسّنت كثيراً بـ«فضل تجنبها الدخول في معترك الانقسام الداخلي، ونظافة يدها من الدم الفلسطيني»، كما يقول أبو حمزة.

البحث الأمني

أبو حمزة (اسم مستعار) من سرايا القدس يتحدث عن مفاصل احتدامٍ مع حماس لا تظهر على الإعلام. رغم تدمير الجيش المصري معظم الأنفاق - يقول - لا يزال بعضها يعمل لإدخال الوقود والسلاح إلى المقاومة، «لكن حماس تضيّق علينا في إدخال هذه المواد».
وصل الأمر في بعض الأيام إلى «منعهم من إدخال بعض أنواع الأسلحة إلا حين تحصل حماس على المثل أو على الأقل تطّلع على نوع السلاح المدخل». ويضيف لـ«الأخبار»: «نفذنا بعض العمليات على الحدود دون الإعلان عنها. سعى جهاز الأمن الداخلي التابع للحكومة إلى البحث عن منفذي العملية لمعرفتهم. هم يرون أنهم مسؤولون عن أمن البلد، لكن هذا يضر سرية العمل وقد يكشفنا أمام الاحتلال».
ما بين عاميْ 2008 و2012 التزمت حماس التهدئة رغم الخروق الإسرائيلية. بقيت إسرائيل تستهدف الجهاد الإسلامي بالاغتيالات. قادت الأخيرة أكثر من 4 مواجهات كبيرة وحدها. وسّعت الجهاد مدى قصفها في آخر مواجهة، وألزمت سكان جنوب فلسطين المحتلة الملاجئ ليومين. أشار إلى ذلك السيد حسن نصر الله في خطاب له.
أيضاً في حرب 2012، وازت ضربات سرايا القدس نظيرتها كتائب القسام (حماس). الأخيرة قصفت تل أبيب وكذلك فعلت الأولى، بل أعلن شلح أنهم سبقوا حماس في اتخاذ القرار والتنفيذ.
في الميدان، كشفت العروض العسكرية الأخيرة للسرايا والقسام في شوارع القطاع أنواعاً جديدة من الأسلحة كمضادات الطيران والقناصة. أظهرت صور وكالات الأنباء تشابهاً كبيراً في القدرات المعروضة. السرايا أعلنت في تلك الأيام موافقتها على المشاركة في مسير عسكري للمقاومة ترأسه القسام، لكنها انسحبت في اللحظات الأخيرة، ولاسيما حين رفع مسلحو الكتائب شعارات «رابعة».




الأزمة المالية

تعيش حماس والجهاد في هذه المرحلة أزمة مالية كبيرة. الأولى توترت علاقاتها السياسية مع طهران بعد الأزمة السورية كثيراً. هذا أدى إلى قطع الدعم المالي مدداً طويلة عن المستوى السياسي والحكومة. مع ذلك لا يزال العسكر (كتائب القسام) يتلقون دعمهم المالي شهرياً على قاعدة أن ما بنته إيران في أكثر من 20 سنة ليكون خط دفاع أول لن تهدمه في يوم وليلة، حتى لو كان الاختلاف السياسي على أشده. على مستوى حماس نفسها، قال الزهار في تصريحات سابقة إنه لا لوجود لدولة عربية أو إسلامية مستعدة لتقديم السلاح إلى حركته غير إيران.
أما الجهاد الإسلامي، فتعاني عقبات في تنسيق إدخال الأموال بسبب الأحداث في كل من سوريا ومصر. لكن المستويين السياسي والعسكري لا يزالان يتلقيان دعماً متواصلاً ومتصاعداً من طهران. وصل الدعم في بعض الأحيان ـ وفق مصادر خاصة ـ إلى تدخلات كبيرة من الجانب الإيراني لتحسين مستوى التدريب والهيكلة التنظيمية للجهاز العسكري وتقويته.
نتائج هذا التطوير ظهرت في التصعيد الأخير، فقد كانت للجهاد كلمة منفردة عن حماس. بعد اغتيال ثلاثة من عناصرها (3/2014) جنوبيّ القطاع أعلنت الحركة التزامها التهدئة ما التزم الاحتلال. لم يشر بيانها إلى أي تصعيد في الأفق. فجأة، وفي مساء اليوم التالي ردت بإطلاق دفعة من الصواريخ. تكتيك جديد يُحسب لأداء سرايا القدس. ارتبك الاحتلال ولم يردّ إلا بقصف موضعي، ثم عاد إلى شروط التهدئة.
حماس على مستوى القاعدة الشعبية رأت في ذلك خروجاً عن ضوابط التهدئة و«مصلحة الشعب»، على عكس قياداتها الذين تحدثوا عن حق الجهاد بالرد دون الرغبة في توسيع المواجهة. إعلام حماس لم يشارك في تغطية الحدث. ساحات الفيسبوك أيضاً اشتعلت بالاتهامات المتبادلة. أعيدت الأقوال مجدداً: «السرايا تقصف إسرائيل لتخفف عن نظام الأسد». «الجهاد تتحرك بأوامر إيران وها هو أمينها العام في طهران».