الخرطوم | في وقت تعيش فيه البلاد أزمة اقتصادية حادّة ومتفاقمة، أصدر مجلس الوزراء السوداني تشريعاً قضى بإلغاء "قانون مقاطعة إسرائيل"، الصادر في عام 1958، في ما يبدو استكمالاً للجهود المبذولة من قِبَل الحكومة بشقَّيها المدني والعسكري لإنجاز ملفّ التطبيع الذي افتتحته في نيسان/ أبريل من العام الماضي 2020. خطوةٌ رأى فيها محلّلون تجلّياً لتبعَية مذلّة بلا مقابل، فيما رفضت بعض الأوساط السياسية إصدار هكذا تشريع من دون الاحتكام إلى صوت الشعب المُمثَّل في البرلمان، ولا سيما أن قانون المقاطعة أجيز من قِبَل البرلمان وقتذاك. واكتفى مجلس الوزراء بطرح التشريع، الذي أَرفق إلغاء مقاطعة إسرائيل بتكرار لازمة ممجوجة عن "موقف السودان الثابت تجاه القضية الفلسطينية"، أمام منضدة الجلسة المشتركة لمجلسَي السيادة والوزراء لإجازته، باعتبارهما الجهة التشريعية المؤقّتة بحسب الوثيقة الدستورية، إلى حين استكمال قيام المجلس التشريعي. ويرى مراقبون في استعجال القيادة السودانية، المدنية والعسكرية على السواء، الدفْع في اتجاه التطبيع الكامل مع إسرائيل، سعياً وراء ملاذات آمنة للمكوّن العسكري، ومحاولةً لتحسين صورته، وفي الوقت نفسه تعبيراً عن رغبة لدى رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، في استرضاء المنظّمات الدولية وبيوت المال العالمية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية التي رفعت اسم السودان من "قائمة الدول الراعية للإرهاب"، والتي كان أُدرج فيها في عام 1993، وذلك مقابل موافقته على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
هكذا، ألغت الحكومة القائمة الآن حقّ الشعب السوداني في اتّخاذ القرار في قضية خطيرة ومصيرية مِن مِثل قضية التطبيع. وهذا ما يرى فيه المحلّل السياسي، حاج حمد، في حديث إلى "الأخبار"، محاولة "لخلْق توازُن في العلاقات الخارجية، لكنه كلام فضفاض، فقانون مقاطعة إسرائيل ليس من القوانين التي يتوافق الجميع على إلغائها، بل هو نقطة خلاف أساسية لا يمكن تجاوُز الشعب فيها". واعتبر حمد أن "التطبيع لن يُحقّق المصالح الوطنية العليا للسودان"، متسائلاً عن "المقابِل الذي ستجنيه البلاد من ورائه"، مستدرِكاً بأن "الحكومة منحت إسرائيل قراراً مجّانياً من دون مقابل"، بعدما "استولت على حق الأجهزة المنتخَبة في توجيه السياسة الخارجية".
تأتي خطوة إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل استكمالاً لحلقات مسلسل التطبيع


وتأتي خطوة إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل استكمالاً لحلقات التطبيع التي بدأت بالتوقيع مطلع العام الحالي على "اتفاقات أبراهام"، التي دعت إلى "بناء ثقة متبادلة وزيادة التعاون بين الدول المُوقِّعة"، الأمر الذي يتناقض ووجود قانون يعاقِب المتعاونين مع إسرائيل. ويحتكم السودانيون، منذ 43 عاماً، إلى قانون يحظر عليهم التعامُل مع إسرئيل، أو عقْد صفقات مع أشخاص يحملون الجنسية الإسرائيلية أو شركات مملوكة لهم، كما يمنع التبادل التجاري مع إسرائيل واستيراد السلع المُصنَّعة كلّياً أو جزئياً فيها، تحت طائلة السجن لعشرة أعوام مع الغرامة المالية.
والظاهر أن مُشرّعي القانون الجديد أرادوا توفير الحصانة القانونية للمسؤولين الحكوميين الذين تبنّوا ملفّ التطبيع وتعاملوا مع شخصيات إسرائيلية، غير أن رئيس "حزب البعث العربي"، المحامي يحيى الحسين، أكد، في حديث سابق إلى "الأخبار"، أن "الإلغاء اللاحق لقانون مقاطعة إسرائيل لا يعطي مشروعية لقرارات اتُّخذت سابقاً في ظلّ وجود هذا القانون. بمعنى أن القرار الذي يُتّخذ في ظلّ وجود قانون يُصنّفه جريمة، يظلّ جريمة قائمة حتى وإن تمّ إلغاء القانون لاحقاً". ولذا، لم يستبعد الحسين أن "تُدرج وزارة العدل، بعد إلغاء مادّة التعامل مع إسرائيل، مادة تنصّ على أن القانون الجديد يجُبّ ما قَبله"، معتبراً أن "مِثل هذا الفعل ينقلنا من ثورة شرعية وعظيمة إلى دولة قائمة على انتهاك العهود والمواثيق الدولية والمبادئ الأصولية في القانون وهي عدم رجعية القوانين، وعدم تعديل أيّ قانون إلّا في ظلّ شرعية دستورية. فإذا أُلغيت كلّ تلك المبادئ بتفصيل قوانين لمقتضى المرحلة، معنى ذلك لا يوجد فَرْق عن حكومة الإنقاذ".

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا