زيارة سريعة لمحمد بن زايد للقاهرة لم تتخطَّ ست ساعات، والهدف إعادة التنسيق بين مصر والإمارات وإنهاء الخلاف في قضايا عدة، مع رغبة مصرية في حثّ أبو ظبي على الدخول في مسار أزمة «سد النهضة».
لم تكن زيارة وليّ عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، مجدولة بصورة مبكرة على أجندة لقاءات الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، المجدولة مسبقاً، فالضيف الذي وصل إلى القاهرة في زيارة لست ساعات، تناول فيها الإفطار مع السيسي، عقد جلسة مباحثات ثنائية لم تكن أكثر من جلسة لتسوية خلافات متعددة نشبت خلال الشهور الماضية، وهو ما عكس درجة تمثيل الوفد الإماراتي والمصري، إذ لم يكن لقاء لمناقشة ملفات مشتركة بقدر ما كان لقاء شخصياً بين السيسي وابن زايد، وسط غياب الوزراء كلياً من الطرفين.

في اللقاء الذي احتفى الإعلام المصري به، جرت مناقشة قضايا وملفات هي مثار خلاف بين البلدين؛ في مقدمتها تسريع التطبيع الإماراتي مع إسرائيل، وهو ما تحفّظت عليه مصر بسبب تداعياته السلبية على الملف الفلسطيني، فضلاً عن تأثيره في العلاقات الإسرائيلية ــ المصرية والإسرائيلية ــ الأردنية. لكن النقطة الأبرز في المناقشات ترتبط بالموقف من تركيا وخاصة بعد التقارب المصري ــ التركي الذي أزعج أبو ظبي جراء غياب التنسيق معها في هذا الملف. لكن السيسي طمأن ابن زايد إلى أنه لا يرغب في تسريع تطبيع العلاقة مع أنقرة بانتظار تعديل شامل في سياستها، وجزء رئيسي منها السياسة التركية تجاه الإمارات، وهنا توافق الاثنان، وفق المصادر المتابعة، على إمكانية طيّ صفحة الخلاف مع الأتراك بصورة شبه كاملة في حال الاستجابة لجميع المطالب العربية (مصر والسعودية والإمارات).

وحضر جلسات المباحثات قادة الأمن في البلدين، وتحديداً المسؤولون عن التنسيق في الملف التركي، مشددين على ضمان ألّا تتلاعب تركيا في القرارات التي يجري اتخاذها والقضايا التي يمكن الاتفاق عليها بينهما. وتضمّن الاجتماع عرض تفاصيل التواصل بين أنقرة وأبو ظبي، لكن ظهر واضحاً أن الأخيرة ليس لديها رغبة في اتخاذ مزيد من الخطوات حالياً في هذا الاتجاه. ولذلك، استقر الاتفاق الثنائي على استمرار التنسيق بين المخابرات المصرية، بقيادة اللواء عباس كامل، وعلي الشامسي، وهو نائب الأمين العام لـ«المجلس الأعلى للأمن الوطني» الإماراتي، مع تقديم تقارير «تقدير موقف» إلى قادة البلدين قبل اتخاذ أيّ إجراءات مصيرية في هذا الشأن. كما اتفق على لقاء لاحق في أبو ظبي خلال زيارة للسيسي مع وفد مصري عندما تكون الأجواء ملائمة للزيارة التي ستبحث زيادة التعاون الاقتصادي أيضاً.

كذلك، تناولت الجلسة ملفات أخرى مرتبطة بالسياسة الخارجية، سواء مع الإدارة الأميركية أو الإسرائيلية، وأيضاً آليّة التعامل معهما وهو ما اتفق فيه على تبادل تقديرات الموقف وبعض التقارير التي تمّ إعدادها بالفعل. لكن النقطة الأهم هي «سد النهضة» وقد تحدث فيها السيسي باستحياء بعدما أبدت القاهرة رغبة في دور إماراتي أكبر على غرار المحاولة مع السعودية، التي لم تكلّل بالنجاح. صحيح أن ابن زايد تحدث عن رغبته في الاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع إثيوبيا بجانب علاقاته مع مصر والسودان، لكنه أكد لـ«الجنرال» أنه لن يرضى بأيّ ضرر للبلدين، مبدياً استعداده للتواصل مع أديس أبابا حتى لا يكون التدخل محسوباً على طرف ضد آخر.

في العلن، تحدث بيان الرئاسة المصرية عن مناقشة أزمة «النهضة»، لكنه لم يكشف عن تفاصيل ما جرى في هذه النقطة بوضوح، وسط توقعات مصرية بتحركات إماراتية غير معلنة خلال الأيام المقبلة ضمن الجهود الدولية المبذولة للتدخل في الأزمة في محاولة للوصول إلى صيغة توافقية ترضي الجميع. ومما جرى التطرق إليه الأزمة مع قطر التي تجمع الآن بين مصر والإمارات في ما وصفه السيسي «بطء التحركات القطرية» لاستئناف العلاقات بشكل كامل، مشيراً إلى مضمون مكالمته مع أمير قطر، تميم بن حمد، قبل بداية رمضان، وهي المحادثة المباشرة الأولى بينهما منذ «بيان العلا».

في المحصّلة، يبدو أن زيارة ابن زايد أثارت كثيراً من الغموض والارتباك في العلاقة بين القاهرة وأبو ظبي بصورة مؤقتة، وخاصة مع الاتفاق على عودة الاتصالات بين البلدين كما كانت من قبل، مع مراعاة حلحلة أي مشكلات بسرعة والعمل على استمرار التنسيق والتواصل.