لم تحِد الإدارة الأميركية قيدَ أنملة عن دعمها المطلق لإسرائيل، على رغم بعض الأصوات المعترضة من داخل الحزب الديموقراطي، الذي يعاني، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، انقساماً يتهدَّد وحدته، بفعل وجود تيّار متنامٍ لا يتبنّى توجُّهات الرئيس جو بايدن في ميدان السياسة الخارجية. لهذا، يمكن فهم التخبُّط في صفوف الإدارة الوليدة، والتي باتت تسعى ــــ تحت شعار "حقوق الإنسان" الذي ترفع لواءه متى استدعت الحاجة ــــ إلى الضغط لوقف العمليات العسكرية، وإن كانت لا تزال تؤيّد "حقَّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها". مردُّ هذه الضغوط ما يتمّ تصديره على أنه "خيبة أمل" البيت الأبيض إزاء قصف الاحتلال لـ"برج الجلاء" في غزة، والذي كان يضمّ مؤسّسات إعلامية، فضلاً عن استهدافه النساء والأطفال، الأمر الذي يضع الإدارة في "منافسة" مع أجندتها الحقوقية الموسّعة المدّعاة.وعلى رغم الضغوط المتنامية من داخل حزبه الديموقراطي للقيام بدور أكثر وضوحاً، اختار بايدن وفريقه نهجاً أكثر هدوءاً، يقتضي مشاورة المسؤولين الإسرائيليين أوّلاً، وحلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي ثانياً، تطبيقاً لمبدأ بثّ بعض الحرارة في العلاقات الفاترة. وهو ما أكدته ناطقة البيت الأبيض، جين ساكي، حين قالت إن "تقديراتنا في الوقت الحالي هي إجراء محادثات خلف الكواليس"، مدافعةً عن النهج الدبلوماسي "المتكتّم" إنّما "المكثّف" الذي تتبعه واشنطن حيال هذا الملفّ. وفي ثالث اتّصال بينهما، منذ بدء موجة التصعيد الإسرائيلية الأخيرة في السابع من الشهر الجاري، تحدّث بايدن إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، "ليشجّعه"، بحسب ما جاء في بيان البيت الأبيض، على "بذل كلّ الجهود الممكنة لضمان حماية المدنيين الأبرياء". وفي حين ناقش الطرفان أيضاً "التقدُّم في العمليات العسكرية الإسرائيلية ضدّ حماس والجماعات الإرهابية الأخرى في غزة"، تضمّن البيان إشارة جديدة إلى دعم الرئيس الأميركي "وقفاً لإطلاق النار وبحث انخراط الولايات المتحدة مع مصر وشركاء آخرين من أجل هذه الغاية". وكما هو متوقّع، أشار البيان إلى تأييد بايدن ما سمّاه "حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وإدانته ما وصفها بـ"الهجمات الصاروخية العشوائية لحركة حماس على البلدات الإسرائيلية". هذا التحوُّل في الخطاب الأميركي جاء في أعقاب إصدار 28 عضواً في مجلس الشيوخ، الأحد الماضي، بياناً يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار "لمنع فَقْد أيّ أرواح أخرى من المدنيين ومنع تصعيد الصراع". واستناداً إلى ما سبق، أعرب زعيم الغالبية الديموقراطية في المجلس، تشاك شومر ــــ وهو من أشدّ المؤيّدين لإسرائيل ــــ، عن رغبته في التوصُّل إلى وقف سريع لإطلاق النار. ومن هنا، تبدو الإدارة الأميركية راغبة في الدخول على مسار وقف التصعيد في الأيام المقبلة، والذي يمكن أن يفضي إلى ما وصفه مصدر مطّلع، لـ"رويترز"، بتوقُّف إنساني للعنف للسماح بدخول مساعدات الإغاثة إلى غزة والوصول إلى تهدئة مستدامة.
أبلغ نتنياهو بايدن تصميمه على استكمال الهدف من العمليّة العسكريّة


لكن نتنياهو أبلغ بايدن تصميمه على استكمال العملية لـ"إعادة الأمن لمواطني إسرائيل"، على ما أفادت به "هيئة البثّ الإسرائيلية". وفي الإطار نفسه، قال المعلّق السياسي في موقع "واللا" العبري، براك رافيد، لشبكة "سي إن إن"، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، "إنهم بحاجة إلى 24-48 ساعة لإتمام العملية في غزة ثم سيتوقّفون". إلّا أن موقع "أكسيوس" الأميركي لفت إلى أن إدارة بايدن لم تُعطِ إسرائيل مهلة نهائية للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار في غزة. ونقل الموقع عن مسؤول إسرائيلي قوله إن رسالة واشنطن العامّة في اتصال بايدن ــــ نتنياهو هي أنها تدعم إسرائيل، لكنها تريد إنهاء العملية في غزة، مضيفاً إن الإدارة الأميركية أوضحت أن قدرتها على كبح الضغط الدولي على إسرائيل في شأن عمليّة غزة وصلت إلى نهايتها. وفي سلسلة تغريدات عبر حسابه في موقع "تويتر"، كشف رافيد عن استئناف الاتصالات الهادفة إلى التوصّل إلى اتفاق تهدئة، برعاية دولية ــــ عربية. ونقل عن مصادر دبلوماسية قولها إن مبعوث الأمم المتحدة إلى المنطقة، تور فنسلند، أجرى اتصالات مكثّفة مع قيادات في حركة "حماس"، ومع مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شابات، ومسؤولين إسرائيليين كبار آخرين، لافتاً إلى أن جهود المبعوث الأممي ترمي إلى استعادة العمل باتفاق التهدئة بين "حماس" وإسرائيل، ومحاولة منع انفجار حرب شاملة. وأوضح رافيد أن الاتصالات التي أجراها فنسلند مع ممثّلي "حماس" وإسرائيل، تزامنت مع اتصالات أجراها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، مع نظرائه في كلّ من إسرائيل ومصر وقطر وتونس والسعودية والأردن والإمارات. وفي سياق متصل، لفت رافيد إلى أن قيادات "الديموقراطي" كثّفت ضغوطها على بايدن للتدخُّل لدى إسرائيل وإجبارها على وقف الحرب. ونقل معلّق "واللا" عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن الأميركيين لم يحدّدوا موعداً نهائياً لإنهاء العمليات العسكرية، وإنهم ما زالوا "يبدون دعمهم العلني لحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، لكنهم أوضحوا للحكومة الإسرائيلية في محادثات مغلقة أنهم يريدون توقُّف العملية العسكرية في الأيام المقبلة.
في ضوء ما سبق، يمكن فهم مبادرة واشنطن إلى إرسال نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون إسرائيل وفلسطين، هادي عمرو، للعمل على إنهاء القتال "دبلوماسياً"، واللقاء مع ممثّلي إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وفيما قلّل مراقبون من أهمية وجود عمرو في المنطقة نظراً إلى عدم شغله منصباً رفيعاً، يشير المسار إلى أن مهمّة المبعوث الأميركي العلنية كانت العمل على وقف القتال، متى تنتهي إسرائيل من بنك أهدافها.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا