جبهة الرقة في طريقها لتصبح أسخن الجبهات السورية، بعدما حافظت على هدوئها أسابيع طويلة تحت سيطرة «دولة الإسلام في العراق والشام ـــ داعش». وفي انتظار جلاء المشهد الرقاوي، يبدو تلاقي المصالح سيد الميدان، والموجّه الأول للمعارك هناك. فللحكومة التركية مصلحة في إبعاد خطر «داعش» عن حدودها. إذ تشكل سيطرة التنظيم على تل أبيض هاجساً لها. ولـ «جبهة النصرة» وحلفائها مصلحة في تخفيف الضغط عن معاقلها في دير الزور. وللحكومة السورية مصلحةٌ في اشتعال مزيد من المعارك بين المجموعات المسلحة.
وفي التفاصيل الميدانية، اندلعت خلال الأيام الماضية معارك متتالية، بين «لواء ثوار الرقة» وتنظيم «داعش»، أسفرت حتى الأمس عن سيطرة «ثوار الرقة» على قرى أم حويش، وسكرية النعيم، وأبو نيتول. ولا يمكن فصل هذه المعارك عن تلك الدائرة في دير الزور المجاورة، بين «داعش» من جهة، و«النصرة» وحلفائها من جهة أخرى. إذ تُشير المعلومات الواردة من كواليس «النصرة» وحلفائها إلى قرارٍ اتخذ مطلع الشهر الجاري بنقل الحرب «الجهادية» إلى عُقر دار «داعش».
اللافت في هذا السياق، أن «النصرة» كانت قد أصدرت منتصف الشهر الجاري بياناً أعلنت فيه «فضّ أي ارتباط تنظيمي بينها وبين لواء ثوار الرقة»، مبررة الأمر بـ «تقصير من الطرفين». لكنّ مصدراً عشائريّاً أكد لـ «الأخبار» أن «التنسيق بين الطرفين يسير بوتيرة عالية». وأوضح أن أحد ثمار هذا التنسيق كان الكمين الذي نصبه مسلحو «النصرة» لرتل «داعشي» على طريق الرقة ـــ الشدادي، حيث «قام مجاهدون من جيش مؤتة الإسلامي وجبهة النصرة، بضرب رتل يتألف من 10 سيارات، تابع لكتيبة البتار المبايعة لتنظيم داعش»، وفقاً للمصدر.

مصادر «النصرة»
أكدت مغادرة قيادات «داعش» مدينة الرقة

ويبدو أن إعلان «الطلاق» بين الطرفين لم يكن سوى صك براءة لـ «ثوار الرقة» من التبعيّة لفصيل متطرّف مثل «النصرة». ما يُشكل مقدمةً لضمّ «ثوار الرقة» إلى لائحة رهانات «الفصائل المعتدلة» التي لم تعد تضمّ الكثير من المجموعات. لكن ذلك لا ينفي الصبغة «الإسلامية» للّواء، الذي بات يحظى بدعم تركي كبير. وأعلن أخيراً انطلاق معركة «الصبح القريب» ضدّ وجود «داعش». وخلافاً لما أعلنه تنظيم «الدولة»، أصدر اللواء يوم السبت بياناً نفى فيه مقتل قائده الشهير بـ«المجاهد أبو عيسى» (أحمد علوش). وتوعّد البيان تنظيم «الدولة» بالإبادة.
كما بدا لافتاً في التطورات الميدانية، أن سلاح الجو السوري استهدف بلدة عين عيسى (في الريف الشمالي للرقة) بالتزامن مع نشوب معارك بين الطرفين، موقعاً قتلى في صفوفهما. ويزيد من تعقيد المشهد، أن «لواء ثوار الرقة» يعقد تحالفاً مع مجموعات كردية تتهمها «النصرة» و«الجبهة الإسلامية» بـ «التبعية للنظام»!
إلى ذلك، تحدثت مصادر «جهادية» محسوبة على «النصرة» عن «مغادرة قيادات داعش مدينة الرقة التي باتت شبه خالية منهم». واتهمت المصادر التنظيم بـ «إخلاء المدينة تمهيداً لاجتياحها من قبل النظام». وأجمعت المصادر على «هروب أبو بكر البغدادي (زعيم داعش) من محافظة الرقة». فيما تضاربت التصريحات حول توجهه إلى العراق أو تركيا. الأمر الذي نفاه مصدر من «داعش» واصفاً إياه بـ «الفخ المخابراتي». وقال المصدر لـ «الأخبار» إن «هذه الإشاعات هدفها معرفة مكان الشيخ البغدادي، من خلال نفينا إياها، أو تأكيدنا لها. لكننا لن نقع في هذا الفخ. ولا تعليق لدينا، سوى أن الدولة باقية بحول الله وقوته». واعتبر أن «البدء بتشييد مسجد الشيخ ابو مصعب الزرقاوي في القاطع الشرقي لولاية الرقة، خير دليل على كذب مزاعم تخلينا عنها».
قصف عراقي في الأراضي السورية
على صعيد متصل، أعلنت وزارة الداخلية العراقية استهداف مروحيات الجيش العراقي رتلاً تابعاً لـ «داعش» داخل الأراضي السورية. وقال المتحدث باسم الوزارة إن «مروحيات الجيش ضربت ثمانية صهاريج وقود في وادي الصواب في البوكمال الواقع شرق سوريا. كانت تحاول الدخول إلى الأراضي العراقية». وقال المتحدث إن الخطوة (الأولى من نوعها) جاءت من دون تنسيق مع الحكومة السورية. معتبراً أن «مسؤولية بلاده هي حماية حدودها والحدود من الجانب الآخر، لأنه ليس هناك من حماية من الجانب الاخر».