إذا كانت ممارسات جهاز الشرطة المصرية ضد المواطنين واستخدامه العنف المفرط تجاههم من الأسباب المباشرة لاندلاع «ثورة 25 يناير»، التي أطاحت نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، فإن السنوات الخمس الماضية حفلت بتحولات دراماتيكية شهدها جهاز الشرطة، لم تغيّر من سياساته، إنما تضمنت تغييراً للأشخاص القائمين عليه فحسب.
في عهد وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، إبان حكم مبارك وصلت القبضة الأمنية في مصر إلى أشدّ درجاتها. وفي ظلّ امتلاء المعتقلات وقرارات الاعتقال غير المبررة سوى بقانون الطوارئ، كان الجهاز الأمني في أقوى حالاته على مستوى المعلومات، وعلى صعيد تحقيق أهدافه في ظلّ تجاهل الانتقادات الإعلامية والحقوقية التي وصلت ذروتها آنذاك.
عادت حالات التعذيب والإخفاء القسري تحت عنوان «مكافحة الإرهاب»

ومع تخلخل جهاز الشرطة بعد ثلاثة أيام فقط من «ثورة 25 يناير» نتيجة انقطاع الاتصالات وانتهاء الشحن الخاص بأجهزة التواصل بين الضباط في الميدان وقياداتهم والأعداد الكبيرة من المتظاهرين في الشارع، فقد الجهاز قدرته لفترة استمرت أكثر من ثلاثة شهور اعتمد فيها الأمن في الشارع على قوات الجيش و»اللجان الشعبية» التي شكّلها المصريين لحماية ممتلكاتهم بعد تخريب العديد من المحلات وتعرضها لعمليات سلب ونهب.
لم تتمكن الشرطة في الفترة الأولى من استعادة توازنها. فالسجون اقتُحمت تحت ضغط فقدان القيادة وتعرضت المركبات للحرق، بينما دمرت غالبية المقار الأمنية وغالبيتها كانت تضم أماكن للتعذيب، بينما فر عدد من ضباط الشرطة المشهورين بالتعذيب من منازلهم خوفاً من انتقام ضحاياهم التي وصلت لدرجة تعرض بعضهم للقتل والإصابة.
فيما بعد، جرى تزويد قوات الشرطة بمركبات جديدة وإعادة تأهيل المقار الأمنية، في وقت استمرت فيه المحاكمات لقيادات الشرطة وفي مقدمتهم حبيب العادلي الذي أُلقي القبض عليه قبل تنحي مبارك عن السلطة، فيما جرت إحالة وقائع قتل المتظاهرين إلى المحاكم بكل محافظة إلى محكمة الجنايات.
ظل جهاز الشرطة يحظى بدعم واهتمام الدولة، حيث خصصت مليارات الجنيهات لزيادة رواتب رجال الشرطة، التي وقعت اشتباكات عديدة بينها وبين المتظاهرين لمرات عدة من بينها أحداث محمد محمود الأولى والثانية، إضافة لأحداث مجلس الوزراء التي جاءت نتيجةً لفض الشرطة اعتصام سلمي في ميدان التحرير.
لكن الشرطة المصرية استعادت قوتها مع تعيين اللواء أحمد جمال الدين وزيراً للداخلية في حكومة هشام قنديل الأولى خلال حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، لكن سريعاً جرت إطاحته وخلفه في المنصب اللواء محمد ابراهيم الذي أقيل العام الماضي، وكانت تعتقد جماعة «الإخوان المسلمين» أنه داعم لتحركاتها من أجل البقاء في السلطة، علماً بأنه اتصف بضعف الشخصية وهو ما ظهر في لقاءاته التلفزيونية المحدودة وإعلانه الاتفاق مع الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل «ثورة 30 يونيو» بشهرين على تنفيذ الأوامر.
ورغم العداء بين الشرطة والشعب في «ثورة 25 يناير»، كانت الشرطة شريكاً أساسياً مع الشعب المصري في «ثورة 30 يونيو»، حيث خرجت سيارات الشرطة لحماية المتظاهرين المطالبين بالثورة على نظام «الإخوان»، فيما رفضت تأمين اعتصامات المتظاهرين المؤيدين للرئيس المعزول مرسي، واستخدمت في الوقت نفسه العنف المفرط في التعامل مع معارضيه، كما تعرضت مقرات عدة لها للحرق في مناطق الصعيد.
بعد عزل مرسي، عادت الشرطة بقوة أكثر مما كانت عليه خلال نظام مبارك. استعادت قوتها، وعادت حالات التعذيب والاخفاء القسري مجدداً، فيما نجحت من خلال تبريراتها الإعلامية بـ»مكافحة الإرهاب» في إسكات الأصوات المعارضة وأصوات الحقوقيين المطالبين بالحفاظ على حقوق الإنسان داخل السجون والمعتقلات، حيث يتعرض المحبوسون على ذمة قضايا عنف لظروف احتجاز قاسية، وتوفي بعضهم في السجن نتيجة عدم تلقيه الرعاية الطبية اللازمة.
وتعرّض جهاز الشرطة لهجمات عدة أبرزها محاولة اغتيال اللواء محمد ابراهيم وتفجير مديرتي أمن القليوبية والقاهرة، وهي محاولات جعلت المواطنين يتعاطفون مع الإجراءات الأمنية التي يجري اتخاذها رغم اتسامها بالقمع، علماً بأن تلك الفترة شهدت اعتقالات تعسفية وعمليات تصفية للعديد من الأشخاص الذين قالت الداخلية أنهم مطلوبون أمنياً ومتورطون في أحداث عنف، فيما أصبح شمال سيناء بحماية الجيش بعد نشاط الجماعات المتطرفة فيها بصورة ملحوظة وعدم قدرة الشرطة على ضبط الأوضاع هناك.
اللافت في تحولات الشرطة أن اختلاف الأشخاص على تولّي قيادة الوزارة لم يغيّر من قياداتها أو من خلفيتهم. فحبيب العادلي كان يرأس الجهاز الامني قبل توليه الوزارة، والوزير الحالي مجدي عبد الغفار هو نفسه أول رئيس للجهاز بعد «25 يناير» عقب تغيير اسمه ليكون جهاز «الأمن الوطني»، فيما خرجت كل القيادات الشرطية براءة من اتهامات قتل المتظاهرين خلال الثورة استناداً إلى قيامهم بالدفاع عن مقرات أعمالهم.
في السنوات الخمس الماضية، استفادت الشرطة من أخطائها، وعززت مواقعها ضد الاقتحام بالتحصين المنيع، وزادت من تدريب قوات الأمن المركزي على مواجهة التظاهرات والشغب وزودتها بأحدث الاسلحة المتطورة، فيما اصبحت تتمتع بدعم إعلامي كبير باعتبار الشرطة هي «حامي الدولة المصرية في مواجهة العنف الذي يرتكبه أنصار الإخوان».