حمص | تنفجر سيارة مفخخة وسط شارع يكتظ بالمارة. يهرع المواطنون لإسعاف الجرحى وإطفاء الحرائق المندلعة، فتنفجر سيارة ثانية. أما النتيجة، فكانت العدد الأكبر من الضحايا المدنيين. دوار العباسية في منطقة الزهراء، شهد النسخة الثانية بعد تفجيري كرم اللوز في نيسان الماضي.
كتلة كبيرة من اللهب ارتفعت عشرات الأمتار في الأجواء، فيما كاميرا مسلحي «جبهة النصرة» تصوّر الموقع من بعيد، وسرعان ما تبنّى التنظيم الهجوم الذي يهدف إلى «إيقاع أكبر نكاية في صفوف الشبيحة».
العدد الكبير للضحايا نجم عن الازدحام في المنطقة التي تضم سوقاً صغيراً لتجارة الجملة والمواد الغذائية ومؤسسة استهلاكية، إضافة الى ممر للأطفال العائدين من مدارسهم. يوسف رضوان، كان أحد الذين توجهوا إلى مسرح الجريمة لإسعاف الضحايا.
وقف مذهولاً من هول المشهد: «الجثث تفحّمت في السيارات. معظم الضحايا دون الخامسة عشرة، المشهد المروع لن يمحى من ذاكرتي... الجثث في كل مكان، الشوارع، والمحال التجارية، والسيارات»! ويكمل بحزن وغضب في آن: «رائحة الدم والأشلاء والجثث المحترقة تحطم الأعصاب، هذا قدرنا، ولكن إلى متى سيبقى هذا الحي الفقير عرضة لقذائف الحقد وتفجيرات الإرهابيين؟».
التحقيقات الأولية أشارت إلى وقوع تفجيرين، أحدهما في سيارة سياحية خاصة، والثاني في سيارة إسعاف. الجهات الأمنية لملمت بقايا السيارتين ولم يتم حسم ما إذا كان التفجير الثاني انتحارياً.

في المستشفى: من يعزي من؟

احتشد المئات من ذوي الضحايا أمام مستشفى «الأهلي». عيسى الذي فقد أباه وترقد أمه في العناية المشددة، يتلقى المواساة من أقاربه. وفيما خاله يواسيه، يروي لنا والدموع تملأ عينيه: «فقد الاتصال معه (والده) وقت التفجير، حيث كان برفقة والدتي التي ترقد في العناية المشددة الآن، لم نتعرف على أي جثة. للأسف أصبح أشلاء». بلغت حصيلة الضحايا الأولية وفق مصدر طبي في المستشفى، الوحيد في حيّ الزهراء، أكثر من 60 شهيداً، جرى التعرف على 35 منهم. أما الجثث الباقية فهي مشوّهة، إضافة الى وجود أشلاء يقدر الأطباء أنها لخمس جثث. وما لبث أن فارق ثلاثة جرحى الحياة بعد أربع وعشرين ساعة.
يشرح مصدر طبي أن «عدد الضحايا كان أكبر من طاقة المشفى الاستيعابية الذي استقبل ثمانية وخمسين مصاباً وقدم الإسعافات الأولية، وجرى تحويل خمسة وستين مصاباً إصابات بليغة إلى مشاف أخرى».
الجيش يفجّر سيارة مفخخة في الفاكهة والنبي شيت تردّ على المشنوق

بعض العائلات فقدت شخصين وجرح جميع أفرادها، وبعضها يطالب بالإسراع بفحوصات الجثث لمعرفة مصير المفقودين، فيما كانت سرادق العزاء تنصب في الشوارع لاستقبال المعزين.
«من يعزي من؟»، يتساءل فراس الذي فقد أحد أبناء عمومته. «معظم أبناء الحي فقدوا أشخاصاً في التفجير، كلنا هنا أقارب وجيران وكلنا فقدنا أحباباً. أصبنا بجرح كبير، ولكننا لن نركع لهذا الإرهاب الأسود».
في صباح اليوم التالي، سارع الأهالي الى تنظيف مسرح الجريمة وإزالة آثار الحريق والدماء. «هي رسالة تحد للإرهابيين، نحن أناس مسالمون رفضنا الفتنة منذ البداية، ووقفنا مع الرئيس لكي لا تصل البلاد إلى هذا الدرك المنحط من الإرهاب لأنه هدف صهيوني أميركي»، يقول سامر حسين الذي فقد أحد أقاربه.
بدورها، رأت بدور الفيصل، إحدى سكان الحي، أنّ «المجزرة الرهيبة هي نتيجة للكذب والتحريض الفتنوي. ثارت حمص من أجل كذبة «مجزرة الساعة» ومقتل 200 متظاهر، والإرهابيون الحاقدون اليوم يقولون إنهم ينتقمون».

غضب بسبب التقصير الأمني

للمرة الرابعة، ينجح المسلحون في تنفيذ تفجير في منطقة الزهراء ومحيطها. فقبل تفجيري أول من أمس، وقع تفجيران في حي الأرمن وتفجير بالقرب من ساحة الزهراء. وسقط في الهجمات الثلاث نحو ثمانية عشر شهيداً وأكثر من خمسين جريحاً.
الإدانة المطلقة للإرهابيين لم تمنع الأهالي الغاضبين من توجيه اللوم إلى بعض عناصر «اللجان» المكلفة بمهمات التفتيش والتدقيق الأمني. ربيع حيلوني، أحد سكان الحيّ أيضاً، قال: «بأمّ العين، أرى يومياً كيف يدسّ السائق 500 ليرة في يد أو جيب عنصر التفتيش، نحن نطالب بأن يكون هناك عسكري في كل حاجز، لا نثق إلا بالجيش، اللجان الشعبية فيهم الكثير من اللصوص».
سرعان ما توافقه الرأي المعلمة في إحدى مدارس المنطقة يسرى عفيف، وتضيف: «الإرهابي الذي يدخل السيارة المفخخة إلى المنطقة لا يدخلها إلا بعد نسج علاقات جيدة مع الحواجز حتى يعتادوا على مروره ويطمئنوا له، لا يمكن أن يأتي غريب لأول مرة الى حي كالزهراء بسيارة مفخخة، وأتهم الحواجز بالتقصير».
جلال، الذي طلب عدم نشر اسمه كاملاً، قال: «لا أعتقد أن بين عناصر الحواجز من يتواطأ ضد أهله، ولكنهم مشغولون بقبض المال من السيارات المحملة بالبضائع، ولا وقت لديهم للتفتيش الدقيق. كذلك يتذمر الأهالي من الازدحام ويضغطون عليهم لتسريع المرور، فيستغل الإرهابيون ذلك».
وطالب السلطات بأن «تزوّد جميع الحواجز بأدوات إلكترونية وكلاب بوليسية لكشف المتفجرات وتبديل عناصر الحواجز يومياً».

بيان «جبهة النصرة»

تبنى تنظيم «جبهة النصرة» التفجيرين في بيان جاء فيه «منَّ اللهُ على عباده المجاهدين من جبهة النصرة في حمص، باختراق أمني ضخم رغم القيود الكثيرة والتشديد الأمني الكبير ونقاط التفتيش والحواجز العديدة وكاميرات المراقبة، حيث تم ركن سيارتين مفخختين في الشارع الرئيسي الذاهب إلى داخل حي العباسية النصيري».
وأضاف البيان: «تم تفجير السيارة الأولى لتوقع الكثير من القتلى في صفوف الشبيحة، إضافة إلى الأضرار المادية الضخمة، فتجمع من تجمع في المكان من أجل عمليات الإنقاذ وإسعاف الجرحى، ودبت حالة من الرعب في صفوفهم مع استنفار أمني في المكان».
وتابع البيان، «ولم يستفيقوا من هول الضربة حتى جاء التفجير الثاني مزلزلاً أوكارهم ليشكل الضربة القاضية على من نجا من التفجير الأول، إذ إن السيارتين كانتا مركونتين بطريقة توقع أكبر نكاية ممكنة في صفوفهم».