القاهرة | على الرغم من وصول الخلافات إلى ذروتها في ما يتعلّق بالأزمة التي سيولّدها تخزين المياه في بحيرة سدّ النهضة من دون اتفاق وتبادل للمعلومات والبيانات بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، إلّا أن الدول الثلاث عادت خطوة إلى الخلف، بعدما بدا بعضها على شفا تحرّك عسكري، خصوصاً في ظلّ التدريبات المشتركة والمكثّفة بين مصر والسودان خلال الشهور الماضية، والتنسيق الدبلوماسي غير المسبوق منذ سنوات لوقف القرارات الإثيوبية المنفردة. وجاء التراجع الأخير من دون إعلان مباشر وصريح، من أجل تهدئة الأوضاع. وتَمثّل ذلك في قيام وزير الخارجية المصري، سامح شكري، بالتنسيق مع نظيرته السودانية، بجولة على الدول الأفريقية ودول حوض النيل بشكل خاص لشرح وجهة النظر المصرية. وهو ما سبقه امتناع الجانب الإثيوبي عن استكمال عملية تعلية الممرّ الأوسط لبحيرة السدّ بمقدار 30 متراً كما كان مقرّراً من قبل، بسبب ضيق الوقت ومشكلات تقنية أعاقت تنفيذ المخطّط الأصلي، والذي بدأ متأخّراً عن موعده في نيسان الماضي، قبيل موسم الفيضان بأقلّ من شهرين. ولم تنجح أديس أبابا في التعلية سوى لأقلّ من 10 أمتار، ومن ثمّ لن تتمكّن من تخزين 12 مليار متر مكعّب في الملء الثاني كما كان متوقّعاً، وسط تقديرات بأن الكمّية الجديدة التي سيتمّ تخزينها لن تتجاوز 4 مليارات متر مكعّب فقط، وهو ما يجعل إجمالي السعة التخزينية في بحيرة السدّ، بعد اكتمال الملء الثاني، نحو 9 مليارات، الأمر الذي يعني أن لا أضرار كبيرة ستلحق بكمّيات المياه المتدفّقة إلى مصر والسودان، مقارنة بالكمّيات المتوقّعة من الأمطار خلال موسم الفيضان الحالي.
لم تنجح أديس أبابا في تعلية الممرّ الأوسط لبحيرة السدّ سوى لأقلّ من 10 أمتار


بناءً عليه، ستُرحّل فكرة التحرّك العسكري المصري إلى العام المقبل، حيث تُمكن إعادة النظر فيها إذا ما فشلت المفاوضات بشكل كامل. وفي هذا الإطار، تقول مصر إن بالإمكان استهداف السدّ من دون الإضرار بالسودان، على العكس من التصوّر السابق باستحالة هذه الخطوة في حال تخزين 17 مليار متر مكعّب في بحيرة السدّ الملاصق للحدود السودانية.
ويعود التراجع الإثيوبي الأخير إلى أسباب عديدة، من بينها مشاكل في التمويل، وضغوط أميركية من جانب إدارة جو بايدن، فضلاً عن الأزمات الداخلية التي تحيط بحكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد. وفي مقابل خطوة أديس أبابا، تراجعت الخرطوم، هي الأخرى، عن التحرّك نحو تدويل الأزمة والخروج من إطار المفاوضات التي يرعاها الاتحاد الأفريقي بشكل كامل، والتي فشلت في جميع جولاتها وعُلّقت حتى إشعار آخر، علماً بأنه يُتوقّع استئنافها في غضون الأسابيع المقبلة. أمّا القاهرة، فلم يقتصر تراجعها على السماح بإيقاف تحرّكات التدويل التي كانت قد بدأت بالفعل، بل وشمل أيضاً القبول باتفاق مرحلي على الكمية التي سيتمّ تخزينها العام الجاري، بما يضمن حفظ ماء الوجه للنظام المصري الذي سيدخل في مفاوضات طويلة من أجل الاستقرار على أمرَين رئيسيَن: الأول آلية تخزين المياه، والثاني آلية يتمّ الاحتكام إليها في حال وقوع الخلافات، مع تأكيد الدور الأفريقي في المفاوضات.