القاهرة | على بوابة مستشفى المعادي العسكري (جنوب القاهرة) يسألك المجند عن الغرفة التي ترغب في زيارتها قبل أن يسمح لك بالدخول، فالمستشفى الذي يقع على ضفاف النيل يقيم فيه الرئيس الذي وضعته ثورة 25 «يناير» خلف القضبان. حسني مبارك الذي يحتفل بعيد ميلاده السادس والثمانين غداً، سيقف ملوّحاً لأنصاره من حركة «آسفين يا ريّس» كالمعتاد.

آخر هذه اللقاءات، كان عندما حيّا أفراداً من الحركة التي ترفض الاعتراف بثورة «25 يناير» خلال تجمعهم أمام المستشفى في ذكرى تحرير سيناء. رغم خروجه من السلطة قبل أكثر من ثلاثة أعوام، لا يزال مبارك يحتفظ ببعض سمات الرئاسة، سواء في الحراسة أو في السكرتارية التي تستقبل الطلبات الواردة إليه. يرقد مبارك في المستشفى بإراداته الحرة منذ أكثر من ستة أشهر. مع انتهاء حالة الطوارئ، انتهت فترة وضعه تحت الإقامة الجبرية. لكنه فضّل البقاء داخل المستشفى الذي قضى فيه نحو عامين مسجوناً احتياطياً على فترات متقطعة. فالرئيس المتنحي نقل إليه لأول مرة في آب 2013 لتلقي العلاج ثم قضى معظم وقته فيه بدلاً من مستشفى «سجن طرة» بسبب حالته الصحية.
إلى جانب زوجته سوزان وزوجات أبنائه وأحفاده، يستقبل الرئيس السابق الذي يرقد في الجناح «د» يومياً من يرحب بزيارتهم، بحسب أحد العاملين في المستشفى. يسمح بالزيارة طوال أيام الأسبوع ما عدا الجمعة من الرابعة وحتى الثامنة مساءً. ويدخل الزائرون من باب 3 ويخرجون منه، ويتحركون بحريتهم في الداخل. الجنود المكلفون الحراسة لا يسألون إلا عن رقم الغرفة، ويكفي أن تجيبهم حتى يسمحوا لك بالدخول. وفيما أنت تشاهد أقارب المرضى يقفون على شرفات طبقات المبنى الرئيسي، تلاحظ غيابهم عن الطبقة الأولى التي تضم المكاتب الإدارية وعن الثانية الذي يقيم فيها مبارك.
تخصص الإدارة نصف الطبقة الثانية فقط لمبارك ويستقبل النصف الآخر المرضى وعائلاتهم بشكل طبيعي من دون أي إجراءات استثنائية. وأقيم جدار خشبي لعزل جميع الغرف الموجودة في جناح مبارك عن باقي المبنى. بفضل الأبواب الخشبية، ينعزل مبارك بنحو كامل عن المبنى بعدما خُصصت له مداخل ومخارج فرعية محاطة بالحرّاس الذين لا يتأخرون عن منع أي محاولة لإزعاجه.
تنتشر كاميرات المراقبة في الأرجاء. كذلك لا يسمح لأي شخص بالوصول إلى مبارك، فالإدارة هي التي تحدد طرق لقائه بواسطة مكتب الأمن. هناك، يستقبلك ضابط في القوات المسلحة ويطلب منك كتابة طلبك، مؤكداً أن الأمر سيعرض على اللواء حسين مدير مكتبه. اللواء بدوره سيعرضها على الرئيس السابق ويبلغك بالقرار وبالموعد إذا جرت الموافقة. «يستقبل الرئيس مبارك كل يوم عشرات الرسائل وباقات الورد من محبيه ومؤيديه، وقد وصله الكثير منها في ذكرى تنحيه»، يقول أحد الأطباء في المستشفى. «نتلقى بعض الخطابات المستفزة، غير أن مدير مكتبه يمنع وصولها إليه حفاظاً على صحته»، يتابع الطبيب الذي فضل عدم الكشف عن اسمه. ويضيف: «إن غالبية الرسائل تثني على موقفه وتناديه دوماً بالرئيس مبارك»، لافتاً إلى أن هذه الرسائل لها دور إيجابي في استعادة نشاطه.
يتابع مبارك عن كثب ما يحدث في الشارع المصري من خلال المحطات التلفزيونية. وعلى الرغم من وصول مئات طلبات الزيارة من مصر ومن بعض الدول العربية، استقبل أقل من عشرة أفراد فقط.
بالنسبة إلى حالته الصحية، يؤكد الطبيب أنها جيدة، فهو لم يعد يستعين بالأطباء إلا قليلاً، وأنه لا يعاني إلا من أمراض الشيخوخة التي أصبحت واضحة على وجهه، مشيراً إلى أن بإمكانه الخروج في أي وقت. يتحدث الطبيب بتأثّر عن مبارك: «لا أعرف إذا كنت من مؤيدي السيد الرئيس أو من الفريق الآخر، لكن في النهاية الرجل لا يحب الزيارات الكثيرة ويفضل أن يقضي الوقت مع أفراد عائلته في خصوصية»، ويؤكد رداً على طلب «الأخبار» مقابلة سكرتارية مبارك أو حراسته، أنهم «يتبعون إحدى الجهات السيادية، وغير مسموح بلقائهم».
مشاعر الطبيب تختلف عن مشاعر عامل الكافتريا الذي يشعر بالضيق من انتشار كاميرات المراقبة بعد وصول مبارك. الشاب الذي لم يتجاوز العشرين يصف مكان عمله بأنه «أشبه بالسجن». ليس بسبب الكاميرات وحدها، فداخل المستشفى يقف عددٌ من المدرعات في إطار إجراءات التأمين التي تتبعها القوات المسلحة.