اللاذقية | يقف أبو شادي بلباسه العسكري على شرفة منزله في أحد أحياء مدينة اللاذقية. «يخرطش» سلاحه على مرأى من الجيران الصامتين، مع مؤثرات صوتية مرافقة. يجزم أحد جيرانه بأنّ المشهد «القبيح» يعود بهم إلى الثمانينيات. رجل غير معروف التنظيم، بين مجموعة تنظيمات موالية للسلطة، يرفع صوت المذياع إلى أقصى ما يمكن ليُطرب أهالي الحي، ببعض الأغاني المؤيدة للقائد. لا يجرؤ أحد على التذمّر. الرجل يحمل سلاحاً وجهازاً لاسلكياً.
يتحدّث المقاتل العتيد بأعلى صوت مع قيادته عبر اللاسلكي، على مسمع جيرانه، الذين باتوا يعرفون تطورات الميدان لدى أبي شادي وقائده. يسمعون الأخير يسأله: «وينك؟»، فيرد صائحاً: «أنا بالبيت. جايي جايي». أحد الجيران يقول: «أبو شادي يطربنا يومياً بأغاني الحسم العسكري في كسب من منزله في اللاذقية. ونحن لا حول لنا ولا قوة سوى الأمنيات بأن يحسم نصر كسب، لعلّ أبناءنا يستطيعون التركيز على دراستهم، بدل التشويش المتعمّد بإظهار التشبيح الثقيل على النفوس». قريبة إحدى الجارات أكّدت، على سبيل المواساة، أن لديهم في حيّهم «أبا شادي» آخر، ليخلص الجميع إلى أن في كل حيّ مظاهر مشابهة. تذكر إحدى النساء أنها منعت زوجها من الخروج إلى الشرفة، لمواجهة الجار المزعج. وتضيف: «ما الذي يمنعه من إطلاق النار على زوجي؟». كلام يعارضه جارٌ آخر يرى أنّ «أمثال أبي شادي نموا وتكاثروا أخيراً، بسبب تعاظم خوف الناس منهم، ما يؤدي إلى المزيد من التجبّر داخلهم».
يعي أمجد، الطالب الجامعي، أنّ الحرب السورية تركت مظاهر سيئة، انعكست سلباً على جميع المواطنين. مشهد جثث المسلحين التي جابت شوارع اللاذقية داخل سيارات أمنية ترك أثره في نفس أمجد. «خالتي تشفّت بهم، ورأت أنهم يستحقون أن يكونوا عبرة لمن يعتبر. ولم تغيّر رأيها برغم اعترافها بأنها لم تذُق طعم النوم، طيلة يومين، بعد رؤيتها الجثث»، يضيف.
«تصرّف خاطئ، أخلاقياً، وعلى نحو باد للعيان، أصبح محط اختلاف السوريين بين من يؤيده ويعترض عليه»، تروي حياة، المربية الأربعينية. «عشرون سنة في التعليم لم أشعر خلالها بالعجز الذي أشعر به الآن. لا أعرف من أين أبدأ الترقيع داخل نفوس أطفالي. لا أفهم كيف دهمتهم الأفكار السيئة واحتلّت مخيلاتهم البريئة»، تضيف. في صفّ حياة تلميذ يعامل رفاقه باستعلاء وعدائية، ويباهي بأن والده «اغتنم أثاث منزل من منازل الإرهابيين في إحدى القرى البعيدة، بعد قتلهم»، حسب قولها. تعجز المعلمة عن التعاطي مع الطفل، ولا سيّما أنها لا تتوقع تجاوباً من أبويه حيال محاولاتها «إعادة جسور تواصله» مع رفاقه ووسطه الاجتماعي.
لا تتوقف المظاهر السلبية في المجتمع السوري على إزعاج الآخرين وإقلاق راحتهم، بل طاولت حياتهم. تروي صفاء، ابنة الأربعة عشر عاماً، عن يوم خروجها من منزلها لمشاركة النساء في نثر الأرز على جثمان جارها شهيد الجيش، خلال تشييعه. الفتاة المتفوقة في دراستها، تعرضت لطلقة نارية استقرت في عمودها الفقري، «بسبب عادة إطلاق الرصاص العشوائي». تقول صفاء بمرارة: «اطلاق رصاص غير مسبوق حصل خلال التشييع. أمر يتكرر في الفترة الأخيرة. كمية الرصاص التي تطلق كافية لتحرير جبهة». تتحرك الفتاة على كرسي نقّال تبرعت به إحدى الجمعيات، بسبب فقر أهلها وعدم قدرتهم على شراء كرسي مماثل. حاولت صفاء العودة إلى دراستها، إلا أنها فقدت قدرتها على التأقلم مع واقعها. تنتفض كلّما سمعت أصوات رصاص. «سألت نفسي كثيراً: ماذا يثبتون بهذا التصرف؟ إطلاق رصاص عشوائي إلى الأعلى، أهو انتقام من السماء؟ أم استعراض للقدرة على الثأر، أم هو مجرد فشة خلق؟»، تقول.
تتابع صفاء قصص أشخاص آخرين سقطوا ضحايا تصرفات مشابهة: «سمعت منذ أيام عن طفلة عمرها 8 سنوات في مدينة جبلة، تعرضت لما تعرّضتُ له. بكيتُ عليها، وبكيتُ نفسي من خلالها».
ليست حياة صفاء وحدها التي تغيّرت. أضحى العجز رفيق السوريين، حيث الفوضى هي المتحكم الأكبر في البلاد المنكوبة.
3 تعليق
التعليقات
-
فليقم أهالي الشهداء على مرتزقة الداخلعلى هذا النّظام الذي يلهث وراء الكرسي و ينسى أبناءنا الذين استشهدوا غدرا من قبل المظام أوّلا ومن قبل الاهابييّن ثانيا في مشفى الكندي و جسر الشّغور و أبناءنا الضبّاط في على الحدود في الجولان و أبناءنا المحاصرين في سجن حل.. على هذا النّظام أن يعاقب إن كان لديه ذرّة’ مسؤولية باقية في عروقه حثالة المجتمع الذي أنتجه بيديه و (فلته) علينا في اللّاذقية ل(يشبّحوا) و يتحكّموا بنا بسيّاراتهم المفيّمة و رشّاشاتهم التي يلوحونها في وجوهنا نحن من قدّمنا ابناءنا في الجيش قرباناً لهذه الأرض لا لهذا النظام.. و سلّمنا دماءهم الطاهرة في سبيل منع للتقسيم و بقاء لسوريا الموّحدة لا في سبيل رجل أو سلطة أو كرسي أو شبيحة كلما ازددنا فقرا و حزنا كلما رادوا قوّة و مالا و عتادا.. نعم يا أستاذة مرح لقد ارهقنا هؤلاء الحثالة و أرهقوا ارواح الشهداء الذين يرقدون في هذه الأرض البحرية الحزينة.. و لكن لا حياة لمن تادي ..لا حياء لا من تنادي لن نقوم قائمة للحق هنا حتّآ يقوم أهالي الشّهداء في السّاحل الحبيب باسم دماء شهدائنا على مرتزقة الدّاخل و تطهيرها منهم
-
السببالتصرفات هذه تعود لثلاثة أسباب في رأيي طبعاً : الحرمان التشبيحي الذي عاشه الشباب خلال السنوات الماضية فكان السلاح و السيارات المفيمة و قيادتها المتهورة حكراً على أشخاص محددين . السبب الثاني : تكون هذه التصرفات نتيجة الخوف من المجهول الذي يدفع بعض الشباب لإظهار القوة إثباتاً للوجود . السبب الثالث: التهور و التربية .... فالأصيل سيبقى أصيلاً ... و الدنيء سيبقى دنيئاً.. تقبلوا مروري .... و شكراً لكاتبة المقال و المميزة دائماً ( مرح ماشي)