ريف دمشق | «هل فكر أحدهم في أن يحصي أعدادنا؟ أو حتى أن يسأل سكان المنطقة عن آرائهم السياسية؟»، يتساءل الطالب الجامعي ماهر، أحد سكان مدينة جرمانا التي ينظر إلى سكانها بأنهم موالون للحكومة السورية «بالفطرة». يؤكد ماهر لـ«الأخبار» أن «كثيرين من أبناء المدينة معارضون، مثلاً، للسياسات الاقتصادية للحكومة، ولا سيما تلك التي اتبعت قبل الأزمة، وكانت ممهداً أساسياً لها».
في الضفة الأخرى، درج التعامل مع منطقة الميدان الدمشقية على أنها «معارضة للعظم»، في حين أن كثيرين من أبنائها من المنتسبين إلى حزب البعث أو من المؤيدين عموماً. في الميدان، التي يعمل معظم سكانها في التجارة، يمكن أن تقابل العديد من التجار المؤيدين لسياسات «السوق الاجتماعي» والانفتاح الاقتصادي الذي انتهجته الحكومة خلال السنوات العشر الأخيرة. يروي أبو معتصم الحريري، أحد تجار الألبسة، كيف كانت تجارته مزدهرة خلال تلك السنوات: «كنا نذهب إلى تركيا لنأتي بأجود الأقمشة وبأسعار منخفضة جداً. غير أنه بعد المخاطر التي أصابت الطريق إلى تركيا، توقفت تجارتنا، وصرنا ع الحديدة».
وقد واجه سكان دمشق كثيراً من المشاكل والمخاطر نتيجة التعامل مع الناس على أساس مناطق سكنهم. هنا تتصدر المعارضة المسلحة وبعض الأجهزة الأمنية المشهد. يروي زاهر. س (24 عاماً) كيف صفعه أحد عناصر الأجهزة الأمنية لمجرد أنه من سكان منطقة حرستا. ويقول لـ«الأخبار»: «تجري معاملتنا على أننا بيئة حاضنة للإرهاب المسلح. ما يحدث أنه في كثير من الأحيان يأتي مسلحو المعارضة لاحتلال حارتك، فتضطر إلى التعايش معهم وإخفاء أي موقف سياسي تؤمن به، لأن الخروج من الحي للإقامة في المناطق الهادئة ليس متوافراً للجميع». وشكّلت كلمة «بيئة حاضنة» البوابة الأبرز لابتزاز مدنيي مناطق نفوذ المعارضة المسلحة. يبدأ الابتزاز بمنع إدخال الحاجات الأساسية، «خوفاً من إيصالها إلى الإرهابيين»، ولا يقف عند إجبارهم على دفع رشوة مقابل السماح لهم بالدخول والخروج من مناطق سكنهم.
وفي كثير من الحالات، أبدت المعارضة تشدداً واضحاً تجاه سكان بعض المناطق، حتى ولو تماثل موقفهم مع موقفها. تشكِّل منطقة التضامن (جنوبي دمشق)، أحد الأمثلة الفاقعة على تلك الممارسات، حيث اقتادت «فرقة تحرير الشام» وسيم، أحد شباب الحي، إلى معتقل أنشأته خلف مخفر التضامن، لأنه لم يعلن لهم انتماءه الديني، وبقي معتقلاً لثلاثين يوماً، قبل أن يضطروا إلى إخلاء سبيله بعد اشتداد الاشتباكات. يروي وسيم (30 عاماً)، لـ«الأخبار» أن «المفارقة، وبعد الاعتقال، أنني قررت أن أخرج نهائياً من الحي. ولدى خروجي اقتادتني مجموعة أمنية في شارع نسرين في التضامن إلى إحدى غرفها هناك، حيث اعتقلت لمدة عشرين يوماً، لمجرد أنني من التضامن. غادرت المنطقة كلياً وذهبت للاستقرار في جرمانا، فالهاون أرحم من المعاملة غير الأخلاقية».
ومن بين كل التشكيلات العسكرية في سوريا على الضفتين، يستطيع السكان أن يميزوا الطريقة المختلفة لتعامل الجيش السوري مع المدنيين. يروي أحد الجنود: «ما لا يعلمه الكثيرون أن المجندين يخوضون أيضاً الأحاديث ذاتها، وأحياناً يحتدم الخلاف في ما بيننا خلال النقاش في مدى صحة أو خطأ قرارات سياسية وعسكرية معينة، لكن كل ذلك لا يؤثر في تعاطينا مع المدنيين، أو الدفاع حتى الموت عن البعض».