قرَّر زعيم تنظيم «القاعدة» الشيخ أيمن الظواهري كشف كل الأوراق. بدا «أمير الجهاد العالمي» كمن يُلقي الحجّة على جنود «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وأميرهم أبي بكر البغدادي للمرّة الأخيرة، داعياً «جبهة النصرة» إلى وقف القتال ضد «أبناء الدولة».
وبرغم عبارات كـ«الشيخ المكرّم» و«حفظه الله» و«وفّقه الله» التي أسبغها على البغدادي، كان الظواهري حاسماً إلى أقصى الحدود حتى كاد يقول «اللَّهم إنّي قد بلّغت، اللهم فاشهد». تحدّث الظواهري عن الدافع لحديثه مجدداً عن «الفتنة بين المجاهدين في الشام»، كاشفاً أنّه استجاب نزولاً عند «مناشدة الشيخ هاني السباعي عبر إذاعة المقريزي لي واعتباره أنّ إجابتي عن أسئلتِه قد تكون سبباً لإطفاءِ الفتنةِ بين المجاهدين».
هكذا انقسمت الآراء إزاء موقف الظواهري، ففيما رأى البعض في كلامه «محاولة أخيرة لوقف الفتنة بين المجاهدين»، قال آخرون إن الظواهري بعث برسالته هذه «راضخاً بعدما حقّق جنود الدولة تقدماً في الميدان، في العراق وفي الشام».
وفي كلمة مسجّلة امتدّت على مدى ٢٤ دقيقة، قال الظواهري: «سأُقسّم كلامي لشهادةٍ، وأمرٍ ومناشدةٍ، وتذكرةٍ ونصيحة». الشهادة كانت تأكيده أنّ «الدولة الإسلامية في العراق فرع تابع لجماعة قاعدة الجهاد». خاض الظواهري في أدقّ التفاصيل والأدلة التي تكشف عن مبايعة أمراء «دولة العراق الإسلامية» واتباعهم لتنظيم «القاعدة» الأم بقيادة أسامة بن لادن. وراح يذكر حتى تواريخ الرسائل المتبادلة بين قيادة القاعدة وكل من أمراء التنظيم العراقي أبي عمر البغدادي وأبي حمزة المهاجر ومضامينها بالكلمة والحرف.
كشف الظواهري عن مضمون آخر رسالة تلقّاها من البغدادي
لا بل كشف عن مضمون وتاريخ آخر رسالة تلقّاها (الظواهري) من البغدادي، الذي يخاطبه فيها على أنّه أميره. والمؤرخة «في 29 جمادى الأولى 1434، التي بدأها بقولِه: فإلى أميرِنا الشيخِ المفضالِ. وأنهاها بقولِه: وقد وصلني الآنَ أن الجولانيَ أخرج كلمةً صوتيةً يُعلنُ فيها البيعةَ لجنابِكم مباشرةً، وهذا ما كان يخططُ له ليحصّنَ نفسَه ومن معه من تبعاتِ ما اقترفه من خطايا ومصائبَ، ويرى العبدُ الفقيرُ ومن معه من إخوانِه هنا في الشامِ؛ أنّ على مشايخِنا في خراسانَ أن يُعلنوا موقفاً واضحاً لا لبسَ فيه لوأدِ هذه المؤامرةِ قبل أن تسيلَ الدماءُ، ونكونُ سببًا في فجيعةٍ جديدةٍ للأمةِ..
ونرى أن أيَ تأييدٍ لما قام به هذا الخائنُ ولو تلميحًا سيفضي لفتنةٍ عظيمةٍ، يضيعُ بها المشروعُ الذي سُكبت لأجلِه دماءُ المسلمين، وأن التأخيرَ عن بيانِ الموقفِ الصحيحِ سيؤدي لترسيخِ الأمرِ الواقعِ وشقِ صفِ المسلمين وسقوطِ هيبةِ الجماعة بما لا علاجَ ناجعٌ بعدَه إلا بسكبِ المزيدِ من الدماءِ».
وأعاد الظواهري تأكيد مسألة طبيعةِ حكمِه في المشكلة الناشئة بين الجولاني والبغدادي «إن كانت أمراً من أمير لجنودِه؟ أم حكما في منازعة خاصةٍ بين طرفين ترافعا فيها لقاضٍ»، قائلاً: «إن هذا الحكمَ حكمٌ صادرٌ من أمير بشأنِ مشكلةٍ نشأت بين جنودِه، وليس حكمًا لقاضٍ بين خصمين ترافعا له في مشكلة خاصة بهما». ثم استعرض الفوارق بين قيام «دولة العراق الإسلامية» و«دولة الإسلام في العراق والشام»، مشيراً إلى أنّ وجه الشبه عدم إخطار القيادة العامة للقاعدة أو استشارتها في الإعلان، فيما الاختلاف أن «الأولى لم تقم على أساس فتنة بين الإخوة، بل قامت بعد شورى موسّعة بين شورى المجاهدين وقبائل أهل السنة»، لافتاً إلى أن «إعلان الدولة الإسلامية في العراق والشامِ تسبب في كارثة سياسية لأهلِ الشامِ، فبعدما كان أهلُ الشامِ يخرجون في التظاهراتِ تأييدًا لجبهةِ النصرةِ لما أدرجتها واشنطن على قائمةِ الإرهاب، صاروا ينددون بهذا الإعلانِ الذي قدمته قيادُة الدولةِ على طبقٍ من ذهبٍ للأسدِ، واستفز الإعلانُ بقيةَ الجماعاتِ الجهاديةِ، التي رأت أن الدولةَ تحاولُ أن تفرضَ نفسَها عليهم بلا رضى ولا مشورةٍ».
أما «الأمر والمناشدة»، فالأول لـ «أبي محمدٍ الجولانِي وكلِ جنودِ جبهةِ النصرة»، و«المناشدةُ لكلِ طوائفِ وتجمعاتِ المجاهدين في شامِ الرباطِ بأن يتوقفوا فوراً عن أي قتالٍ فيه عدوانٌ على أنفسِ وحرماتِ إخوانِهم المجاهدين وسائرِ المسلمين، وأن يتفرغوا لقتالِ أعداءِ الإسلامِ من البعثيين والنصيريين وحلفائِهم من الروافض». وكرر الظواهري دعوته لتحاكم الجميع لهيئةٍ شرعية مستقلة.
ثم ختم بما سماه «التذكرة والنصيحة». الأولى وجهها عامة إلى «سائر المجاهدين في ربوعِ الشامِ، أن كفى خوضاً في الدماءِ المسلمةِ المعصومةِ، كفى قتلاً لقياداتِ الجهادِ وشيوخِه». ثمّ خصّ بها «البغداديِ ومن معه، أن عودوا للسمعِ والطاعةِ لأميرِكم، عودوا لما اجتهد فيه مشايخُكم وأمراؤكم، ومن سبقوكم على دربِ الجهادِ والهجرةِ. تفرغوا للعراقِ الجريحِ، الذي يحتاجُ أضعافَ جهودِكم، تفرغوا له حتى وإن رأيتم أنفسَكم مظلومين أو منتقصًا من حقِكم، لتوقفوا هذه المجزرةَ الداميةَ، استجيبوا لتذكرتي من أجلِ حقنِ دماءِ المسلمين ووحدةِ صفِهم وانتصارِهم على عدوِهم، حتى وإن اعتبرتم ذلك ضيمًا وهضمًا وظلمًا». ودعا البغدادي قائلاً: «اقتدِ بجدِكَ الحسن، الذي تنازل عن الخلافةِ، وحقن دماءَ المسلمين، فتحققت فيه بِشارةُ جدِه وجدِك سيدِنا محمد: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ». ثم خاطبه مردفاً: «ألا تكفيك هذه البشارةُ؟ وألا ترضيك هذه السيادةُ؟ ألا يسرُك أن تتخذَ قرارًا يرفعُ اللهُ به قدرَك في الدنيا والآخرةِ بإذنِه وتوفيقِه، وتتصدى به لأعداءِ الإسلامِ في العراقِ الذين يحتاجون لأضعافِ مجهودِكم، وتُطفئَ به الفتنةَ بين المسلمين، وتعيد لهم اللحمةُ والمحبةُ والأخوةُ. توكلْ على اللهِ، واتخذْ هذا القرارَ، وستجدُ كلَ إخوانِك المجاهدين وكلَ أنصارِ الجهادِ أعوانًا لك وسندًا ومددًا. أيها الشيخُ المكرمُ اقتدِ بجدِك، وكن خيرَ خلفٍ لخيرِ سلفٍ. وأعدْ مأثرةً من مآثرِ بيتِ النبوةِ، تفزْ في الدنيا والآخرةِ».




السباعي لـ«الأخبار»: انسحاب «الدولة» من الشام هو الحل

علّق مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية الشيخ هاني السباعي (من العاصمة البريطانية) على كلمة الشيخ أيمن الظواهري، في حديث عبر الهاتف مع «الأخبار»، قائلاً: «الآن حَصْحَصَ الحقّ وقُضي الأمر. الشيخ الدكتور أيمن الظواهري بيّن أن «الدولة» فرع لـ«القاعدة»، وبيّن أن له بيعة في أعناق أمرائها منذ قيامها. وما على العقلاء إلا أن يلتزموا أمر أميرهم العام». وأضاف السباعي: «أما الذي سيعاند بعد وجود البيعة، فعليه أن يتحمّل كامل المسؤولية، لأن من سيخالف هو شغبٌ على الأصل وينقاد بعصبية جاهلية». وذكر السباعي أنّ «سؤالي له في الإذاعة كان من شهرين»، كاشفاً أنّ «الشيخ الظواهري كان حريصاً على عدم إفشاء الأسرار في البداية». وأضاف «لم يُرد أن يكشف عن العلاقة مع تنظيم دولة العراق، إلّا أن الضرورة والمصلحة تقتضي «وأد الفتنة».
الشيخ المصري المقيم في لندن الذي تربطه علاقة صداقة منذ الصغر بالظواهري، والذي نفى وجود اتصال أو أي علاقة تنظيمية معه أو مع قيادة التنظيم، رأى أنّ «كلمة الشيخ الدكتور تثبت أن الشيخ البغدادي وجنود الدولة خالفوا أمر أميرهم. وبالتالي، حقناً للدماء وحرصاً على سمعة المجاهدين، عليهم العودة والسمع والطاعة». وعوّل السباعي على الحكمة وضغوط الحلفاء لإعادة تقويم مسار الجهاد في الشام، مشيراً إلى أنّ «أبناء التويتر لا وجود لهم. حالهم كحال النكرات في الأردن وغيرهم من تكفيريين لا ضوابط لهم، اتخذوا نصرة الدولة ستاراً لغيّهم»، قاصداً بذلك رجالا سلفيين وقفوا إلى جانب «الدولة» في مواجهة «النصرة». وقال السباعي: «أتمنى أن يلتزم الشيخ البغدادي لأن كلام الشيخ أيمن يقطر نُصحاً وإشفاقاً. فالدكتور يتكلّم كزعيم أُمّة. وبأدلته التي عرضها ألزمه الحائط، ولا مفرّ له إلا السمع والطاعة علانية». أما إذا لم يلتزم البغدادي، يسأل السباعي ويجيب: «سيخسرون خسارة مدوّية. وسيُقال إنهم بغاة وستكون نهاية الدولة معنوياً لأنّ البساط الشرعي سُحب منهم». وتوقّع السباعي أن تكون الإجابة خلال أسبوع، مشيراً إلى أن «لا جواب عمليا غير سحب قواتهم من الشام إلى العراق».