رغم تأخر البدء بتنفيذ بنود التسوية في حمص القديمة، يبدو أنّ عجلة الاتفاق تدور في الاتجاه الإيجابي، مع الإعلان عن أن المسلحين سيبدأون الخروج من وسط المدينة غداً، مع عائلاتهم، وبأسلحتهم الفردية. تنفيذ الاتفاق بلا عراقيل، يعني أن «الثورة» ستكون قد تخلّت، عسكرياً، عن «عاصمتها». اتفاق سيشمل أيضاً حي الوعر الحمصي، وستكون له تأثيرات كبيرة على الريف الحمصي، شمالاً وشرقاً، وتالياً على كامل المنطقتين الوسطى والجنوبية من سوريا.
فبسط سيطرة الدولة على كامل أحياء «عاصمة الثورة»، سيعني، ولو بعد حين، تحرير آلاف الجنود السوريين المنتشرين في المنطقة، وإمكان نقل جزء كبير منهم إلى مناطق أخرى بحاجة إليهم، كريف حماه أو ما بقي من ريف دمشق أو الجبهة الجنوبية أو جبهة حلب.
المعارضة تسعى جهدها لتسويق الاتفاق كنقطة إيجابية لصالحها. لكن محاولاتها باءت بالفشل. يكفي للدلالة على ذلك التمعّن بردود فعل مؤيديها، الذين اقترح بعضهم أمس تسمية يوم الجمعة المقبل «جمعة إسقاط الائتلاف الخائن ـــ لأجلك يا حمص». في المقابل، لا ترى دمشق هذا الاتفاق إلا حلقة في سلسلة بدأت تتكوّن منذ صد «غزوات المعارضة» على العاصمة دمشق، وتحوّل الجيش السوري والقوى الرديفة له من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، وخاصة خلال الأشهر الـ 13 الماضية.
وبحسب الاتفاق، سيبدأ مسلحو المعارضة بمغادرة أحياء حمص القديمة غداً الثلاثاء، بوجود ممثلين عن الأمم المتحدة، وبمواكبة من قوات الأمن السورية.
وقالت مصادر لـ«الأخبار» إن ثلاث حافلات تحوي قرابة 100 مدني من أهالي المسلحين خرجت أمس، بإشراف مندوبين عن الأمم المتحدة. مصادر «الأخبار» أكّدت أنّ الموكب سلك طريق حمص ـــ حماه، من دون تفاصيل إضافية عن الوجهة.
وقال أحد المفاوضين عن مقاتلي المعارضة لوكالة «فرانس برس» إنّه «تمّ الاتفاق ويبقى التنفيذ». ويشير نص الاتفاق، بحسب الوكالة الفرنسية، إلى «خروج جميع المحاصرين الذين يبلغ تعدادهم حوالى 2250 شخصاً» من أحياء حمص القديمة مقابل «الإفراج عما يقرب من سبعين أسيراً». كذلك ينصّ على «خروج المقاتلين مع عائلاتهم وبسلاحهم الفردي وحقائب السفر بواسطة باصات، يرافقها جنود للجيش السوري في اتجاه الريف الشمالي».
وأشار النص، أيضاً، إلى أنّ تنفيذ الاتفاق «يبدأ بعد الإفراج عن الأسرى المحتجزين والسماح بدخول المواد الإغاثية الى مدينتي نبل والزهراء (في ريف حلب الشمالي)»، على أن تنطلق عملية التنفيذ ابتداءً من يوم غد (الثلاثاء).
بدوره، رأى محافظ حمص طلال البرازي «أنّه لا يوجد حتى الآن شيء على الأرض»، مضيفاً «ليس هناك اتفاق، هناك تسويات ومصالحات تتم منذ شهرين (...) وهناك حلقة من الحلقات قيد المناقشة ستؤدي الى تسلّم المدينة خالية من السلاح والمسلحين. هناك ترتيبات ستؤدي، إن تيسّرت الأمور، إلى تنفيذ هذا الأمر». ولفت إلى أنّ المباحثات «قد تكون مثمرة خلال يومين أو ثلاثة»، على أن تشمل في البداية حمص القديمة ثم حي الوعر، فمدينتي تلبيسة والرستن في الريف الشمالي.

المليحة: السيطرة على طرق الإمداد

في سياق آخر، وبعدما نجح الجيش السوري في اختراق تحصينات المسلّحين في بلدة المليحة، التي تعد البوابة الرئيسية للغوطة الشرقية من جهة العاصمة، بدأت أمس عملية تقطيع أوصال الطرق التي يتحرك فيها المسلّحون القادمون من بلدات الغوطة المختلفة في اتجاه جبهة المليحة. مصدر عسكري أكّد لـ«الأخبار» أن الجيش سيطر على الطرق الواصلة بين بلدة المليحة وبلدتي زبدين ودير العصافير، ولا يزال يحاول السيطرة على بعض المناطق التي يتدفق منها المسلّحون القادمون من جهة عين ترما. وهذا الأمر يعني ضمناً أن المناطق المحيطة بالبلدة، كزبدين وعين ترما ودير العصافير «ستكون تحت سيطرة الجيش النارية، إذا لم نقل تحت سيطرته المباشرة». ودارت أمس اشتباكات عدّة في بعض أحياء بلدة المليحة، التي لم يتمكّن الجيش بعد من فرض سيطرته عليها، والتي يقع معظمها في محيط معمل «الباندا»، وعلى طرق الإمداد في المناطق المجاورة.
في موازاة ذلك، يواصل الجيش عملياته شرق حيّ جوبر، وفي مزارع عالية في دوما، وفي حرستا والزبداني (غربي دمشق) وجيرود (القلمون)، ضربات لتجمعات للمسلّحين الذين يعتقد بأنهم المسؤولين عن ضرب خطوط الغاز التي تمد المحطات الحرارية في المنطقة الجنوبية من البلاد.

الجيش نحو السجن المركزي

وفي حلب، انقلب المشهد الميداني مع تبدّد المخاوف من حصول خروقات تؤدي إلى اجتياح المسلحين لها، بل إن وحدات الجيش تتقدّم بصورة سريعة في جبهة القتال الأهم في شمالها الشرقي. إذ يساهم هذا في فك الحصار عن سجن حلب المركزي وإكمال الطوق على الأحياء الشرقية. وبسيطرة الجيش على «تلة حلب»، الواقعة غربي المدينة الصناعية في الشيخ نجار، يعني أنّ الجيش شق طريقه نحو السجن المركزي، وفصل المدينة الصناعية عن أحياء حلب الشمالية، فهو سيطر كذلك على بريج الريح والمقالع ويتأهب للوصول إلى مستشفى الكندي، الذي يتمتع موقعه بأهمية استراتيجية كبرى. عمليات الجيش النوعية سجلت تصعيداً كبيراً في مختلف أنحاء المدينة والريف، فإلى جانب التقدم في حيّ العامرية لتأمين أكبر مساحة مطلة على طريق الراموسة ـــ خناصر، جرى تدمير مقر للمسلحين في ساحة الحطب في المدينة القديمة، ومقر آخر بالقرب من مستشفى الزرزور في حي السكري، وفق مصدر عسكري. وفي جبهة المخابرات الجوية ـــ الزهراء تستمر الاشتباكات من دون تغيير في مواقع السيطرة.

الجيش يخسر موقعين في ريف اللاذقية
في وقت تواصلت فيه المعارك العنيفة في محيط كسب في ريف اللاذقية الشمالي، بالتزامن مع وصول تعزيزات للمسلحين من ريف إدلب، أعطتهم دفعاً إضافيا. إذ خسر الجيش برج الزراعة الواقع في محيط بلدة كسب مجدداً، بعد السيطرة عليه منذ أيام، بالإضافة إلى القمة 724. الهجوم على هذه القمة أدى إلى مقتل العميد محمد معروف، أحد قادة الجيش الميدانيين، مع 4 من عناصره، بالإضافة إلى جرح 20 آخرين. ويتطلع الجيش، بحسب مصادر ميدانية، إلى السيطرة على منطقة دبسة المتاخمة لكسب، بسبب كبر محيط قمّتها، ما يمكّنه من تحصين مواقعه المجاورة وتأمين عدم خسارتها مجدداً.