تونس | عاد رئيس الحكومة التونسية مهدي جمعة، أمس، من زيارته الثانية للجزائر خلال الأيام المئة الأولى على توليه رئاسة الحكومة، بقرض ووديعة تصل إلى ٢٥٠ مليون دولار وذلك في إطار الزيارة الرسمية التي قام بها يومي السبت والأحد لتهنئة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بإعادة انتخابه لولاية رئاسية رابعة.
ووقّع جمعة في هذه الزيارة على اتفاقية تقضي بإيداع ١٠٠ مليون دولار في البنك المركزي التونسي وبروتوكولين، الأول يتعلق بمنح تونس قرضاً بقيمة ١٠٠ مليون دولار، والثاني متعلق بمنحة غير قابلة للاسترداد بـ ٥٠ مليون دولار. هذه المساعدة المالية هي الثانية التي تقدمها الجزائر لتونس خلال ثلاث سنوات؛ وكانت الأولى في عهد حكومة الباجي قائد السبسي، أما حكومتا الترويكا فقد اكتفت الجزائر بدعمهما بروتوكولياً فقط. وأصبح ظهور مهدي جمعة الذي يحظى بمساندة الجزائر والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الخليج يثير الكثير من الارتياح في الشارع التونسي.
وفي السياق، بادرت حركة النهضة الإسلامية عن طريق زعيمها راشد الغنوشي إلى التعبير عن مساندتها لجمعة حتى بعد الانتخابات المقبلة التي يحتمل أن تجرى بين أواخر العام الجاري وأوائل العام المقبل. مساندة حركة النهضة لرئيس الحكومة هي ترجمة للتحولات التي تعرفها الحركة منذ سقوط حكم «الإخوان» في القاهرة وإدراجهم كحركة إرهابية في مصر وبعض دول الخليج وتحولات المشهد في سوريا والانزعاج الغربي من الجهاديين ومن الحركات الإسلامية.
دعم راشد الغنوشي استمرار رئيس الحكومة في منصبه بعد الانتخابات
فخروج حركة النهضة من الحكم بشكل سلمي في إطار توافقات الحوار الوطني وتخليها عن مطلب العزل السياسي لرموز النظام السابق الذي كانت من أكثر الأحزاب تمسكاً به وقبولها بدستور مدني وتخليها عن مطلب بعض أنصارها تضمين فصل يتعلق بالشريعة في الدستور كمصدر للسلطات وتبنيها لمجلة الأحوال الشخصية التي تمنع تعدد الزوجات وتضمن المساواة بين الرجل والمرأة. كل هذه الخطوات جاءت في سياق سياسي ومراجعات اضطرت إليها الحركة التي اصطدمت بمقاومة من النخبة وخاصة الحركة النسوية والديموقراطية.
كما كان فشلها في إدارة الدولة واضحاً، وهو ما دفعها إلى التخلي عن إقصاء رموز النظام السابق بل حتى التقرب لهم، إذ رحب أول أمس زعيم الحركة راشد الغنوشي بعودة الدساترة الذين حكموا البلاد منذ الاستقلال إلى ١٤ كانون الثاني ٢٠١١، كما اعتبر أن «صندوق الانتخابات هو الوسيلة الوحيدة لتحصين الثورة ولا مجال للوصاية على الشعب!».
تحولات حركة النهضة في خطابها السياسي وتغيّرها بنسبة ١٨٠ درجة، وخاصة في ما يتعلق بالشريعة وحقوق المرأة وعودة رموز النظام السابق للحياة السياسية اختلف الشارع السياسي في تقييمها؛ فهناك عدد كبير من المتابعين للشأن السياسي يعتبر أن هذه التحولات مجرد مناورة سياسية لتعويض الفشل في إدارة الدولة وتراجع رصيدها الانتخابي وذلك من أجل التمهيد للعودة إلى السلطة بشكل نهائي لتبدأ في تطبيق مشروعها الحقيقي في إقامة «الدولة الدينية». لكن البعض يرى أن «محنة السلطة» وتحولات الوضع العالمي والإقليمي أجبرت حركة النهضة على هذه المراجعات التي ستؤثر بلا شك على تماسكها الداخلي وبداية التصدع داخلها الذي كان أبرز ما لفت إليه تصويت أكثر من نصف كتلتها في المجلس التأسيسي ضد «تعليمات» زعيمها راشد الغنوشي حول فصل المعروف بـ«العزل السياسي».