بدا في ظاهر لقاءي محمود عباس وخالد مشعل في الدوحة أنهما بروتوكوليان، فأبو مازن أرسل وفده إلى غزة الشهر الماضي للاتفاق مع إسماعيل هنية قبل سفره إلى قطر، في حين عبّر قاطن تل أبيب بنيامين نتنياهو عن غضبه من اللقاء.
لم يطل اللقاء الأول بين عباس وتميم كثيراً، فالاثنان بحثا مستجدات المنطقة وملف المصالحة الفلسطينية، وكذلك عملية التسوية المتعثرة، إضافة إلى العلاقات الثنائية بين البلدين، وذلك بحضور سفير فلسطين لدى قطر منير غنام، ما يعني أن اللقاء لم يخرج عن نطاق البروتوكول.
عند انتصاف نهار أمس، بدأ لقاء آخر طويل بين رئيس حركة فتح ونظيره في حماس. هما يتذكران جيداً اللحظة التي خرجا فيها عام 2012 ضمن ما سمي «إعلان الدوحة» الذي نقل كفة المصالحة من القاهرة إلى العاصمة القطرية برعاية الأمير الأب وأثار انزعاجاً مصرياً قد تزداد حدّته الآن مع أن الاستحقاق الرئاسي المصري لا يسمح للقاهرة بالعتاب.
الكاتب والمحلل الفلسطيني أكرم عطا الله يرى أن لقاء عباس _ مشعل هو «تحصيل حاصل، فاتفاق المصالحة لم يكن بحاجة إلى مفاوضات أكثر من حاجته إلى تطبيق التفاهمات والإرادة للاستمرار بذلك حتى النهاية». ويضيف لـ«الأخبار»: «حماس انتقلت إلى مربع عباس فعلياً، فهي لم تمانع خوضه جولة جديدة من المفاوضات، بل قدرت مواقف عديدة له كتوجهه إلى الأمم المتحدة ورفضه يهودية إسرائيل».
مع ذلك، لم تختلف النقاط التي اتفق عليها قبل أسبوعين عما كانت عليه قبل سنتين، فالمخرج من المأزق السياسي الفلسطيني الذي بدأ في 2007 (الانقسام الداخلي) وتلاه تعثر المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي مرات عدة، من وجهة نظر الطرفين، هو حكومة تكنوقراط تمثل الفلسطينيين وتحصّل لهم دولة ضمن حدود 67.
ومن هذه النقاط أن تشكل حكومة توافق وطني يفضل أن يكون جزء كبير من وزرائها من خارج الفصائل، على أن يرأسها عباس نفسه، وإلا فإن حماس أبدت استعدادها على لسان عدة قياديين فيها أن تخوض غمار الرئاسة.
يشار إلى أن قدوم عباس إلى الدوحة للقاء مشعل جاء نتيجة صعوبة حركة الأخير الذي يقيم في قطر منذ خروجه من دمشق إثر الأزمة السورية وموقف حماس المضاد للنظام فيها، علماً بأن القاهرة كانت مكاناً لآخر لقاء للرجلين، لكن أزمة حماس والنظام المصري بعد عزل محمد مرسي من جهة، وخلاف محمود عباس ومحمد دحلان من جهة أخرى، يمنعان حدوث لقاء هناك.
مع هذا، يسجل للقاهرة مساهمتها في الموافقة على دخول عضو المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق إلى غزة مع وفد المصالحة، وهو الذي يقيم فيها منذ خروجه أيضاً من دمشق. هذه الخطوة كانت لافتة، إذ اعتاد وفد المصالحة الذي يرأسه عزام الأحمد ممثلاً عن فتح الدخول من معبر إيريز الذي تديره إسرائيل.
ويسود الأوساط الفلسطينية تخوف كبير من طبيعة الضغوط الأميركية والإسرائيلية التي يمكن أن تمارس سياسياً ومالياً على السلطة لثني عباس عن المصالحة كما حدث أكثر من مرة، مع أن حماس عبّرت هذه المرة عن استعدادها لمساندة فتح ضد الضغوط.
عطا الله عقّب في هذا السياق: «إنْ جاء الاتفاق مفاجئاً بناءً على ظروف محلية وإقليمية سرّعت فيه، لكني لا أظن أن أبو مازن سيتراجع تحت وطأة أي ضغوط، لأن المصالحة لم تكن مرتبطة بالمفاوضات، فالإعلان عنها جاء قبل انتهاء المدة المحددة للوساطة الأميركية (9 شهور) فضلاً عن إمكان تمديد هذه المدة».
ويرفض المحلل السياسي أن يرهن الاتفاق الفلسطيني بالمفاوضات مجدداً، فالمصالحة وفق رأيه «نمت في القاهرة قبل أن يعلن عنها في غزة بدلالة لقاء الأحمد وأبو مرزوق في القاهرة، والاتصالات التي لم تتوقف بين عباس ومشعل وإن لم يعلن عنها في أحيان كثيرة»، لافتاً إلى أن حماس تبقى جزءاً أساسياً من النظام السياسي الفلسطيني، ما يحتّم على عباس ألا يتمّ أي حل نهائي دونها أو دون تحديد مصير غزة.

لقاء حمساوي ــ روسي

في تطور مرافق، التقى مشعل نائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بوغدانوف، وتحدثا أيضاً في اتفاق المصالحة الأخير بين فتح وحماس والحصار المفروض على قطاع غزة. وحضر اللقاء السفير الروسي في الدوحة نور محمد خولوف، وعن الطرف الفلسطيني عضوا المكتب السياسي لحماس سامي خاطر ومحمد نصر. وفي سياق آخر، أكد مستشار رئيس الوزراء في الحكومة المقالة عيسى النشار أن حكومة التوافق الوطني ستشكل خلال المدة القانونية اللازمة، على أن يعلن عنها خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة.
وقال النشار في تصريحات صحافية: «ننتظر مناقشة أسماء الوزراء مع وفد من رام الله كان مقرراً أن يصل الى غزة اليوم، لكن يبدو أنه لوجود عباس في الخارج أُرجئ وصول الوفد حتى الأسبوع المقبل». ويبرر الطرفان قرارهما أن تكون الأسماء المطروحة من خارج الأحزاب، بأن وجود برنامج سياسي لهذه قد يعوق الاعتراف العالمي بها كما حدث مع الحكومة العاشرة (حكومة الوحدة) حين قطعت الرواتب حوالى 12 شهراً عن موظفي السلطة، في حين أن هدفها _ الحكومة _ وفق الاتفاق تسيير مجريات الأمور، وصولاً إلى الانتخابات بعد ستة أشهر من تشكيلها.
على مستوى ثانٍ، لم تبدِ حماس أو فتح تفاصيل عن تغييرات في ملف الأجهزة الأمنية الذي فجر أزمة الانقسام قبل أعوام، بل قررا إرجاء الصيغة حتى تنفيذ ما اتفق عليه سياسياً، خلا الحديث عن ثلاثة آلاف عنصر سينخرطون في الأجهزة الأمنية في غزة ضمن مهمات محددة.
ورغم تسارع وتيرة اللقاءات السياسية، فإن الفلسطينيين لا يعوّلون كثيراً على نتائج زيارة عباس التي تنتهي اليوم، لأنهم يعلمون وفق تجارب كثيرة بين حماس وفتح في عواصم عربية سابقة كمكة والقاهرة أن سهولة الاتفاق تعني سهولة الافتراق.
(الأخبار)