رام الله | مشروع قانون إسرائيلي لتكريس «إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي» أراده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو رداً على رفض السلطة الفلسطينية الاعتراف بـ«يهودية الدولة» في إطار مفاوضات التسوية المتعثرة حالياً. هذا ظاهر الصورة، لكن الإعداد المسبق للقانون والمحاولات السابقة لإقراره يشيان بمخطط كبير لتغيير ديموغرافية الأراضي المحتلة وأولويات الصراع.
الطرف الفلسطيني يرى أن تصريحات نتنياهو وقراراته الأخيرة «محاولة للالتفاف على موقف القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني الرافضين للاعتراف بيهودية إسرائيل»، وفق عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واصل أبو يوسف. يقول أبو يوسف، لـ«الأخبار»، إن سنّ هذا القانون له مخاطر كبيرة على حق العودة والفلسطينيين داخل المناطق المحتلة عام 1948، «كما يخدم تبنّي الرواية الإسرائيلية والمزاعم التي يحاول الاحتلال تكريسها في سياق عودة اليهود إلى ما يسمونها أرض الميعاد».
وكان نتنياهو قد قال قبل يومين إن مشروع القانون الجديد سيعرّف «الحق القومي للشعب اليهودي دون المساس بالحريات الفردية لكل المواطنين فيها»، وذلك في إشارة إلى فلسطينيي الداخل الذين يشكّلون 17% من سكان دولة إسرائيل. ويمنح القانون امتيازات لليهود لكونهم يهوداً في كل مجالات الحياة من تعليم وعمل، وينتقص من مكانة اللغة العربية التي يصنفها القانون العبري حالياً لغة رسمية.
أما عن المطلوب من القيادة الفلسطينية في مواجهة تبعات القانون، فقال أبو يوسف: «لا بد من دور قوي في مواجهة كل القوانين العنصرية المجحفة بحقوق الفلسطينيين القاطنين في مناطق عام 1948، وهم أصحاب البلاد الأصليون»، مشدداً على أن المنظمة والسلطة رفضتا الاعتراف بيهودية الدولة سابقاً ولا يمكنهما فعل ذلك الآن أو مستقبلاً.
وتدعم الأحزاب المشاركة في ائتلاف نتنياهو الحكومي (هناك مستقبل والبيت اليهودي) سَنّ هذا القانون، بل إن هناك من بين أحزاب المعارضة، كـ«شاس الديني المتشدد» الذي يتهم بأنه معادٍ للصهونية، من يجد في التصويت لمصلحة القرار فرصة لتسويق أنه حزب لا يعادي الصهيونية.
ردود ضعيفة
وفي الحديث عن مخاطر قانون القومية على أرض الواقع، حذر خبير القانون الدولي حنا عيسى من أن إسرائيل تسعى بهذه الخطوة إلى القول إن فلسطين التاريخية لليهود وليست للفلسطينيين، وبذلك فهي تضمن وفق رأيه شطب حق العودة والتهرب من المسؤوليات القانونية والمالية في تعويض اللاجئين.
ويقول عيسى لـ«الأخبار»: «المخطط الإسرائيلي هو طرد الفلسطينيين الموجودين داخل مناطق 1948 في عملية تشبه التطهير العرقي، لكن بطريقة قانونية، حتى تكون دولتها يهودية الطابع فقط». ويضيف: «هذا القانون ينافي قواعد القانون الدولي لأنه عنصري، لذا من المتوقع أن ترفضه الهيئات الحقوقية والمجتمع الدولي».
ولجهة تأثير «القومية اليهودية» على السلطة الفلسطينية وإجبارها على الاعتراف بيهودية إسرائيل، تبرز تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس التي قال فيها إن «أي قوانين تصدر في إسرائيل شأن داخلي لها ولا تفرض على السلطة شيئاً»، معبرةً عن نوع من المناورة للتهرب من أي استحقاقات تحاول تل أبيب فرضها عليه. ولم يخل الداخل العربي من ردّ فعل على «القومية»، وإن كان طفيفاً. فقد عبّرت الأحزاب العربية داخل الكنيست وأعضاء الكنيست العرب من الأحزاب الإسرائيلية عن القلق من خطوات نتنياهو، لكنهم ــ مثلاً ــ عندما شُرّع قانون برافر ضد حقوق البدو في النقب لم يتجاوز اعتراضهم الاحتجاج تحت السقف المقبول إسرائيلياً، ولم ينسحبوا من الكنيست أو يفعلوا خطوات أخرى خارج نطاق المؤسسة العبرية.

اليمين يسهّل المهمة

الخبير في الشؤون الإسرائيلية أنس أبو عرقوب قال بدوره إن لجوء نتنياهو إلى هذه الخطوة لا يمكن فصله عن الوضع المريح داخل ائتلافه الحكومي في أعقاب اتخاذه قرار تجميد المفاوضات بالإجماع، «بل لم يخل تصدي زعيمة حزب الحركة ورئيسة طاقم المفاوضات تسيبي ليفني لهذا القرار من تحميل أبو مازن مسؤولية تعثر عملية السلام، لأنه في تعليلها رفض الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية».
و«قانون القومية» الذي يطرحه نتنياهو الآن يقضي بتفضيل يهودية الدولة، وما يترتب على ذلك، على القوانين الديموقراطية التي تتحدث عنها إسرائيل في نطاق تمايزها عن الدول المحيطة بها.
وأضاف أبو عرقوب لـ«الأخبار»: «نتنياهو مهّد لهذه الخطوة بحشد الرأي العام الإسرائيلي عبر حملة متواصلة منذ تشكيل حكومته الحالية، وسابقاً هو ربط تعثر عملية السلام برفض الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي»، ذاكراً أن خطوات نتنياهو لم تقابل بردّ من الدول العربية التي أبرمت اتفاق سلام مع إسرائيل إلى جانب غياب الجامعة العربية عن التصدي لتشريع قانون إضافي يمس حقوق الفلسطينيين في الداخل المحتل.
والطابع اليميني للحكومة الإسرائيلية الحالية يجعل مهمة نتنياهو، وفق رأي مراقبين، أكثر سهولة. فرغم أن حزب الحركة بزعامة ليفني أبدى معارضة، كانت هذه المعارضة خجولة، ولم تصل مثلاً حدّ التلويح بالانسحاب من الحكومة في حال تشريع قانون القومية.
«حتى لو هدّدت ليفني بالانسحاب» ــ يقول أبو عرقوب ــ «فإن ذلك لن يؤدي إلى ثني نتنياهو، كذلك فإن ردّ فعل الأحزاب العربية وأعضاء الكنيست العرب لم يدفع نتنياهو إلى القلق».
وحتى ينتهي الجدال بشأن القانون ومصير المفاوضات المتعثرة، فإن تغييرات كبيرة قد تصيب بنية الداخل المحتل في حال إقرار «قومية إسرائيل اليهودية»، في حين لا تزال ردود الفعل على خطوات الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو لا تتجاوز حدود القول، من دون خطوات قانونية أو مشاريع ضغط دولية.