تونس | استنكر الرأي العام التونسي الدعوة التي وجهها الرئيس المؤقت منصف المرزوقي أخيراً إلى المتحصنين في جبال الشعانبي. المرزوقي تعهد العفو عن المقاتلين إذا ثبت عدم مشاركتهم في قتل الضباط والجنود ورجال الأمن، بعد تسليم أنفسهم إلى السلطات التونسية.
دعوة الرئيس المؤقت جاءت بعد زيارته أول من أمس المنطقة العسكرية المغلقة في جبل الشعانبي في محافظة القصرين، حيث أعلن أنه سيجري تحويل هذه المنطقة الجبلية على الحدود التونسية ـــ الجزائرية إلى متنزه بهدف استغلالها سياحيا.
على الأثر، دان ناشطون سياسيون هذه التصريحات، وعدّوها «غير مسؤولة». ورأى البعض في دعوة المزروقي «حملة رئاسية سابقة لأوانها»، وذلك عبر استغلاله لمنصبه ولإمكانات الدولة والمال العام لـ «القيام بحملة تخالف الشروط التي يفترض أن تتوافر في أي تجربة ديمقراطية».
الامتعاض الذي استقبل به التونسيون كلام المرزوقي، تقاطع مع ما أكده أمس الناطق الرسمي باسم حزب المسار الاجتماعي الديمقراطي سمير الطيب، الذي كشف عن مناقشة «الحوار الوطني» إمكان إنهاء المجلس الوطني التأسيسي الذي يستمد منه الرئيس المؤقت صلاحياته ومبرر بقائه. وقد أظهرت استطلاعات الرأي، أن المجلس بات بالنسبة إلى معظم التونسيين «مشكلة حقيقية تعيق الانتقال الديمقراطي»، إذ إنه كان يفترض أن ينهي أعماله في شهر تشرين الأول ٢٠١٢.
وفي ظل الارتباك والانهيار الاقتصادي، تمثل الانتخابات المقبلة حبل النجاة الوحيد للتونسيين، حيث انحصرت الخلافات بين مختلف الأفرقاء حول تحديد طبيعة الانتخابات. فهل ستكون تشريعية ورئاسية في آن واحد، مثلما جرت العادة في عهد بن علي، أم سيجري الفصل بين الاستحقاقين؟
تتمسك «حركة النهضة» بإجرائهما في جولة واحدة، وترجع السبب إلى «ضيق الوقت» و«ارتفاع التكلفة»، ويساندها في ذلك حليفاها: «المؤتمر من اجل الجمهورية» و«التكتل من أجل العمل والحريات» وبعض الاحزاب الصغيرة الأخرى. من جهته، يقف حزب «حركة نداء تونس»، الذي يتصدر كل استبيانات «نوايا التصويت» في التشريعية والرئاسية منذ أكثر من عام، ضد هذا الخيار. ويطالب بالفصل بين الاستحقاقين، متفقاً في ذلك مع الحزب الجمهوري، بزعامة رجل المعارضة القوي في عهد بن علي نجيب الشابي، إلى جانب أحزاب اخرى من وسط اليسار، مثل المسار الاجتماعي الديمقراطي والاشتراكي، التي تناهض كلها إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الوقت نفسه.
وفي ظل انهماك الاحزاب التونسية بالوضع الداخلي، يشغل الوضع الليبي الرأي العام في تونس، ويمثل هاجساً كبيراً لهم. ففي ليبيا، يعمل 100 ألف تونسي، كما يعيش الجنوب على التبادل التجاري المشروع وغير المشروع مع الجارة الليبية، فيما يعيش نصف مليون ليبي في تونس ممثلين أهمية اقتصادية كبرى، إذ إن معظم هؤلاء يملكون أموالاً طائلة تضخ الحياة في شرايين الاقتصاد التونسي المترنح. مع ذلك، يمثل وجودهم هاجساً أمنياً للسلطات التونسية والليبية على حد سواء، إذ إن معظمهم من أنصار النظام الليبي السابق، إلى جانب التهم التي تلاحقهم حول تهريب السلاح والمخدرات. فبعد انهيار النظام السابق، تحول الوضع الليبي الى هاجس يؤرق التونسيين، الذين أصبحوا ملاحقين في ليبيا من المجموعات المسلحة. وآخرهم الديبلوماسيان العروسي القنطاسي ومحمد بن الشيخوهي، المختطفان منذ أسابيع في ليبيا، ما مثّل سابقةً في تاريخ الديبلوماسية التونسية.
وتحاول الأحزاب الكبرى، وبخاصةٍ «حركة النهضة» و «حركة نداء تونس» العمل على تقديم مبادرات للمصالحة الوطنية في ليبيا، على غرار التجربة التونسية. في هذا السياق، أكد القيادي في «نداء تونس» رؤوف الخماسي لـ «الاخبار» أن حركته معنية بتقريب وجهات النظر بين الليبيين، لأنها «ترى أن أمن تونس من أمن ليبيا». وبعد مبادرة الرئيس المرزوقي، قدم زعيم «حركة النهضة» راشد الغنوشي مبادرة للمصالحة في ليبيا، فيما رفض زعيم «تحالف القوى الوطنية الليبية» محمود جبريل مبادرتي المرزوقي والغنوشي. ويذكر أن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند دعا في لقائه مع رئيس الحكومة التونسية الجديدة مهدي جمعة إلى «أن ترعى تونس مبادرة للحوار الوطني في ليبيا».
في الأثناء تتواصل الخلافات داخل حركة النهضة، التي حكمت البلاد مع حليفيها «المؤتمر» و«التكتل» على خلفية مواقف قيادة الحركة. وأدت هذه الخلافات أخيراً، إلى استقالة رئيس كتلتها البرلمانية الصحبي عتيق من منصبه. الاستقالة جاءت بعد اعتذار الحركة في بيان رسمي لرئيس حزب التيار الديمقراطي محمد عبو، على خلفية التلاسن الذي حدث بينه وبين عتيق في مقابلة تلفزيونية. يشار إلى أن عبو كان وزيراً في حكومة النهضة الأولى، وهو معروف بقربه من «حركة النهضة».