غزة | بينما تدور المشاورات غير العلنية بين حركتي حماس وفتح حول الأسماء المرشحة لتولي مناصب وزارية في حكومة الوفاق الوطني المقبلة، تتباين آراء ذوي ضحايا الاقتتال الداخلي الذي سبق سيطرة الحركة الإسلامية على القطاع قبل سبع سنوات، وعنوان الخلاف: قبول الدية أو رفضها.
ورغم تفاؤل الساسة، فإن معارضي «الدية» كثر، ومبررهم أنه لا يمكن بقاء المتهمين بالقتل وهم «معروفون لديهم» أحراراً. أما القابلون بالصفح، فيقولون إنهم يغلّبون المصلحة الوطنية على الحق الخاص «كرمال طي الصفحة السوداء في تاريخ الشعب الفلسطيني».
سليمان الفرا واحد من أولئك الذين رفضوا التسليم بمسامحة الجناة، وهو يطالب بالقصاص من قتلة ابن اخيه القاضي الشرعي، بسام الذي مات على يد ما سماها «فرق الموت ضمن خلفية سياسية بامتياز».
ويقول لـ«الأخبار»: «يجب ألا تسقط الجريمة بالتقادم، وألا تستثنى قضايا الضحايا خلال الاتفاقات السياسية»، مؤكداً ضرورة محاسبة المتورطين في قتل ابنهم الذي كان منضوياً تحت حركة حماس، «بل يجب أن يخضعوا جميعهم لمحاكمات لا أن يجري التصالح معهم». هذا الشعور لم يقتصر على من قُتل من حماس، فأيضاً الفتحاويون يرون ضرورة القصاص، لكن منهم من يرفض فكرة الثأر، كسويلم العبسي الذي فقد ابنه (كان أحد كوادر كتائب شهداء الأقصى الذراع المسلحة لفتح). يؤكد دعم عائلته المصالحة المجتمعية. وذكر أمام حشد من الناس في غزة أن ابنه «قتل خداعاً جراء الانقلاب» بعد أن تعرض لثلاث محاولات اغتيال إسرائيلية، مستدركاً: «عشيرة العبسي تعلن أنها ضد الثأر لأنها مأساة أخرى، ولتكن دماء الضحايا وقوداً للمصالحة». وينحو موظف في قطاع «حماس» الخاص يدعى أبو أسامة منحى سابقه في التعبير عن استعداده لمسامحة خصومه الذين ألحقوا به ضرراً بالغاً اضطر إلى دفع ثمنه مدى الحياة، كما يقول.
المصالحة المجتمعية بحاجة إلى أكثر من 60 مليون دولار وفق تقديرات محلية

أبو أسامة يعاني فرقاً في طول ساقيه نتيجة إطلاق النار عليه خلال أحداث الاقتتال على خلفية لحيته وانتمائه إلى حماس على يد مجموعة عسكرية مسلحة كانت تتبع الحرس الرئاسي. لكنه يقول لـ«الأخبار»: «رغم المأساة التي حلت بي وأسرتي يجب أن نصفح لأن الوطن أكبر منا جميعاً».
ويعوّل السياسيون على المصالحة المجتمعية التي هي بحاجة إلى أكثر من 60 مليون دولار وفق تقديرات محلية حتى تمحو آثار الانقسام الذي سقط إثره مئات القتلى والجرحى، بالإضافة إلى دعم من رجال العشائر والوجهاء نظراً إلى طبيعة غزة المعروفة بتقاليدها وأحكامها العرفية.
ويفترض أن يجري بموجب تلك المصالحة الشعبية دفع ديات وتعويضات ومصاريف لعائلات فقدت أبناءها وتضررت بسبب الاقتتال بين فتح وحماس عبر تمويل عربي، إضافة إلى تعويض المقطوعة رواتبهم على خلفية الانتماء السياسي، علماً أن قطر استعدت للتبرع بـ5 ملايين دولار في سبيل إنجاز هذا الملف.
مع ذلك، فإن عضو لجنة المصالحة المجتمعية عن الجبهة الشعبية محمد طومان، نفى لـ«الأخبار» أن تكون لجنته قد التأمت خلال الأيام الأخيرة (أي بالتزامن مع جهود تشكيل الحكومة)، ونفى تحديد موعد لاستئناف جلساتها ومناقشة الأمور العالقة، لكنه لفت إلى أنهم توصلوا إلى نتائج قيّمة خلال المباحثات السابقة عام 2012، لكن دون تحديد آليات للتنفيذ.
وتشير الورقة المصرية للمصالحة التي وقعها الفلسطينيون في القاهرة عام 2009 إلى ترتيبات خاصة ومفصّلة بشأن تعويض المتضررين، وتتضمن صندوقاً عربياً لمعالجة آثار الانقسام وتبعاته. وبالتزامن مع بحث سبل إنهاء الانقسام، طالب منسق الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان صلاح عبد العاطي بمراجعة الأحكام القضائية التي صدرت في الأراضي الفلسطينية زمن الانقسام نفسه. وشدد لـ«الأخبار» على ضرورة فحص الأحكام القضائية الصادرة في ظل الانقسام وإعادة تصويبها.
على المستوى العشائري، يرى مستشار وزير الداخلية في الحكومة المقالة لشؤون العشائر أبو ناصر الكجك أن حكومة الوفاق الوطني مطالبة بتشكيل لجان من رجال الإصلاح تتكلف بمهمة «جمع شتات عائلات ضحايا الاقتتال الداخلي ونزع فتيل الحقد والضغينة حتى تستطيع المصالحة السياسية أن تشق طريقها على الأرض».
وقال الكجك لـ«الأخبار»: «لا بد من تطييب خواطر الناس ودفع الدية الشرعية»، معبراً عن اعتقاده بأن حل الخلافات عبر لجان العشائر التي تكون أحكامها على مبدأ التراضي بين الأطراف «أفضل من الدوائر القانونية التي تؤجج الخلافات»، على حد وصفه.