«أنا قلق من إمكانية التوصل إلى اتفاق تحتفظ فيه إيران بالقدرة على إنتاج أسلحة نووية، لذلك من الأفضل ألا يجري التوصل إلى اتفاق شامل أو سيئ معها». بهذه العبارة لخص رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الموقف الإسرائيلي الرسمي من المفاوضات بين السداسية الدولية وإيران. جاء ذلك خلال لقائه مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس، ما يوضح جليا استمرار الخلافات والهواجس مما يمكن أن يتمخض من استمرار المفاوضات مع إيران.
المعادلة التي طرحها نتنياهو وسبق أن رددها في مناسبات سابقة لا ترفضها إدارة الرئيس باراك أوباما، لكنها تختلف معه في تحديد معالم الاتفاق السيئ وترجمتها العملية، وخاصة في ظل صعوبة وكلفة الخيارات البديلة، ولا سيما بعدما تمكنت إيران من امتلاك التكنولوجيا المطلوبة وإنتاج بنية تحتية كاملة لامتلاك قدرات نووية بما فيها العسكرية إذا توافرت لديها الإرادة السياسية لذلك.
وتعكس المواقف المعلنة وحتى التي تسرب استمرار الخلاف بين الطرفين الإسرائيلي والأميركي حول السقف الذي يمكن التعايش معه لجهة أي اتفاق مستقبلي مع إيران، وذلك رغم التأكيدات الأميركية (هذه المرة على لسان رايس) التزام الدول العظمى أن يستخدم البرنامج النووي الإيراني لأهداف سلمية فقط، مع الإشارة إلى أن البحث بين الطرفين شمل أيضا الوضع في سوريا وإخفاق المفاوضات مع الفلسطينيين إلى جانب الأزمة في أوكرانيا.
كذلك، استغل نتنياهو إحياء ذكرى مرور 69 سنة للانتصار على ألمانيا النازية لتوجيه البوصلة نحو إيران، وذلك قبل أيام على استئناف المفاوضات الغربية - الإيرانية، مؤكدا أن إسرائيل أكثر قوة وقدرة في ظل امتلاكها دولة وجيشا. واستدرك: «مع ذلك، نعلم أن الدفاع الأفضل في مواجهة سلاح نووي لدى إيران هو ألا يكون لديها سلاح نووي عبر منعها عن إنتاجه». وتساءل نتنياهو عن حاجة إيران إلى امتلاك «آلاف أجهزة الطرد المركزي وأطنان من اليورانيوم المخصب»، مشيرا إلى أنها تستخدم من أجل إنتاج سلاح نووي.
وكانت رايس قد التقت بعد وصولها تل أبيب الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس، الذي طالب بفحص جدية الإيرانيين عبر الأفعال لا الأقوال، مؤكدا الوصول إلى لحظة الحسم. وتساءل بيريس أيضاً: «هل يقترح الإيرانيون الكلام فقط أم يظهرون نشاطات فعلية؟». بعد اللقاء أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الإسرائيلي سيزور واشنطن لعقد آخر لقاء مع الرئيس الاميركي باراك اوباما، في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، قبل أن يترك منصبه.
وكانت تقارير إعلامية إسرائيلية قد تحدثت على خلفية لقاء رايس- نتنياهو عن «استمرار الخلاف العميق في المواقف بين إدارة الرئيس باراك أوباما والحكومة الإسرائيلية إزاء الملف النووي الإيراني»، مضيفة أن رايس شددت على أن الولايات المتحدة تعتقد أن الدبلوماسية هي الطريق الفضلى لتبديد قلق المجتمع الدولي . ووفق صحيفة «هآرتس»، يمكن الاستدلال من مواقف نتنياهو على أنه لا يزال يخالف كل التوجهات الأميركية في هذه المسألة، كما لفت المعلق السياسي في الصحيفة باراك رابيد إلى أن نتنياهو أكد أمام وفد عسكري أن «إسرائيل قلقة من صفقة سيئة مع إيران هي الآن في طور التبلور».
ويساند تلك المواقف حديث نسب إلى مستشار حكومي إسرائيلي مقرب من المحادثات مع رايس، قال إن إسرائيل لن توافق على تمكين إيران من تخصيب اليورانيوم، مؤكدا أن بلاده ستكون مرتاحة إذا لم يجرِ التوصل إلى اتفاق بين طهران والدول العظمى حتى الموعد المحدد (20 تموز المقبل).
ولفت المسؤول الإسرائيلي نفسه إلى أن تل أبيب تخشى أن يكون أوباما يسعى إلى حل وسط مع إيران، رغبة منه في تحقيق إنجازات قبل انتخابات الكونغرس في تشرين الثاني المقبل، لكنّ مسؤولا أميركيا آخر أعرب عن ثقته بأن تحُول الصفقة التي قد يجري التوصل إليها مع طهران دون إنتاج كميات كبيرة من مادة البلوتونيوم في مفاعل اراك النووي.
في سياق متصل، اتهم المدير العام السابق للجنة الطاقة النووية الإسرائيلية عوزي عيلام، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، باستغلال «التهديد الإيراني» لأهداف سياسية. وقدر عيلام بأن إيران تحتاج إلى عشر سنوات للوصول إلى مرحلة إنتاج قنبلة نووية، وهو ما يتعارض مع كل التقديرات الإسرائيلية والأميركية.
ورأى في مقابلة مع صحيفة «يديعوت احرونوت» أن التهديدات التي أطلقها المسؤولون الإسرائيليون بمهاجمة إيران لم تجد نفعا، مضيفا أن على إسرائيل ألا تكون في مقدمة الجبهة في مواجهة إيران، ولافتا في الوقت نفسه إلى أن المفاعلات الإيرانية محصنة ومدفونة تحت الأرض. عيلام حذر أيضا من أن «مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية تعني فتح حرب مع طهران»، مضيفا: «نتنياهو وبعض من معه أدخلوا الجمهور الإسرائيلي في حالة فزع مبالغ فيها ولا حاجة إليها»، مذكّرا بأن التصريحات بشأن النووي الإيراني تراجعت في إسرائيل.
وأوضح المدير العام السابق أنه ليس متأكدا من أن إيران تسعى إلى الحصول على قنبلة نووية، «بل ربما تسعى إلى أن تكون من الدول التي لديها القدرة النووية دون الحاجة إلى تصنيع القنبلة، وذلك حتى تثبت نفسها قوة إقليمية»، مضيفا: «مهاجمة إيران سيكون لها أثر عكسي، كما أنها ستوحد الشعب الإيراني خلف القيادة والمشروع النووي». ودعا عيلام أخيرا إلى منح الجهود الدبلوماسية الأميركية فرصة للتوصل إلى اتفاق مع طهران بشأن مشروعها النووي.
أما في إيران ( فارس، مهر)، فلا يزال الموقف كما هو عليه، وليس آخر ذلك تصريحات عمدة العاصمة محمد باقر قاليباف، الذي قال إن الملف النووي إحدى أهم قضايا البلاد، مؤكداً أن المرشد الأعلى للجمهورية السيد علي خامنئي يشرف على الملف النووي بدقة وعمق. يأتي ذلك بالتزامن مع مناقشة مقررة لاتفاق جنيف يجريها فريق العلاقات الخارجية للجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإسلامي الأسبوع المقبل. وأضاف قاليباف أمس أن خامنئي يريد من المفاوضين التزام الخطوط الحمر وألا يساوموا على حساب عزة وكرامة الشعب والنظام.
مع إشارتها إلى التعقيدات القانونية التي تواجه المفاوضين، ردّت منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون على الإعلاميين بالقول إن ايران التزمت تعهداتها وفقا لاتفاق جنيف، لكنها شككت في جانب آخر من تصريحاتها في أن يؤثر الاتفاق المحتمل على الأوضاع في سوريا.