القاهرة | على رغم أن البيان الرئاسي المصري الصادر بعد لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة، تحدّث عن «توافق» بين البلدين في شأن إنفاذ إرادة الشعب التونسي، إلّا أن هذا التوافق لم يكن سوى جزء من أسلوب الدبلوماسية الذي يتّبعه البلدان حالياً لتجاوز أزماتهما البَينية، شكلياً، بخاصة في ظلّ اتهام كلّ منهما الآخر بالسعي إلى استلام دفّة القيادة في شمال أفريقيا، وهو ما عطّل العديد من فرص التعاون التي حاولت القاهرة تفعيلها منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى السلطة في الجزائر، علماً أن المؤسّستَين العسكريَتين التابعتَين للبلدين تتمتّعان بعلاقات راسخة، على العكس من العلاقات السياسية المتوترة.وخلال زيارة العمامرة، جرت مناقشة عدّة قضايا في اجتماع مغلق بينه وبين نظيره المصري سامح شكري، قبل أن يلتقي في اليوم التالي السيسي في مقرّ رئاسة الجمهورية، حيث برز التباين خصوصاً لدى التطرّق إلى مسألة سدّ النهضة. وفي هذا الإطار، لم تُتِح القاهرة للوزير الجزائري فرصة عرْض وساطة بلاده في هذه الأزمة، معتبرة أن «المطالب واضحة والحقائق أيضاً، ولا يجب النقاش في الحقوق من دون إلمام بالتفاصيل كافة»، وهو ما جعل العمامرة يحجم عن طرح الفكرة بشكل مباشر.
ويعود الرفض المصري لمحاولات التوسّط الجزائرية إلى أسباب عدّة، من بينها اتّساع مساحة التباينات بين البلدين في الفترة الأخيرة، خصوصاً في ملفّ سدّ النهضة، الذي تتّهم القاهرة، الجزائر، بالانحياز فيه إلى جانب أديس أبابا، والذي عبّرت عنه، بحسب وجهة النظر المصرية، الزيارات المتبادلة الأخيرة بين المسؤولين الإثيوبيين والجزائريين، وطلب إثيوبيا من الجزائر، بشكل علني، تصحيح صورتها أمام «جامعة الدول العربية»، وتوضيح موقفها الذي اتَهمت مصر والسودان بتشويهه. كذلك، ترى القاهرة في التحرّك الجزائري على خطّ «النهضة» محاولة لفرض دور قيادي لها، باستغلال المأزق المصري، في الوقت الذي تعرقل فيه هي ملفّات عدّة تدعمها مصر، من بينها تلك المرتبطة بعمل «الجامعة العربية».
تقوم وجهة النظر الجزائرية في ما يتعلّق بتونس على ضرورة احترام الديموقراطية والدستور


على أيّ حال، لم تكن زيارة الوزير الجزائري مدرجة على أجندة نظيره المصري، لكن تطوّرات الأحداث في تونس ومناقشات الأوّل مع الإثيوبيين الأسبوع الماضي، دفعت القاهرة إلى الإسراع في ترتيب الزيارة، التي جرت فيها مناقشة الموقف في تونس بشكل مستفيض، بخاصة في ما يتعلّق بكيفية التعامل مع حركة «النهضة»، ومع الرئيس التونسي، قيس سعيد، الذي يحظى بدعم حذر من الجزائر، وغير محدود من مصر. وتقوم وجهة النظر الجزائرية على ضرورة احترام الديموقراطية والدستور، في مقابل وجهة النظر المصرية القائمة على أن «الضرورات تبيح المحظورات»، وأن سعيد يجب أن يحظى بدعم عربي في ظلّ مخاوف من انقلاب مضادّ على قراراته.
لكن ما لم يُقَل في البيانات الرسمية هو أن الجزائر تحدّثت عن رغبة في التعاون مع جميع الأطراف في الداخل التونسي، وأن العلاقات مع «النهضة» ستسير وفق التطوّرات على الأرض، ووفق ما يقرّره الشعب التونسي وليس التيّارات الداعمة للرئيس فقط، الأمر الذي أبدت القاهرة تفهّمه، مقابل مطالبتها بتفهّم موقفها هي.
هذه التباينات امتدّت أيضاً إلى الملفّ الليبي، الذي يسجّل خلافات حول عدّة نقاط، من بينها وضع الجيش وقيادته ومعوّقات توحيده، إضافة إلى الموقف من الميليشيات. وفيما جرى الاتفاق على إتاحة الفرصة أمام جميع الأطراف للعمل المشترك، أكدت مصر استمرار استعدادها للتعاون لحلّ المشكلات القائمة، مع الالتزام بالمسار المحدّد في شأن موعد الانتخابات، على رغم تحفّظها على بعض الشخصيات التي تدعمها الجزائر.