بعد هدوء استمر نحو يومين، عاد محتجون أمس إلى الشوارع التونسية، رافعين شعارات «شغل، حرية، كرامة وطنية». وفيما كانت قوى الأمن تتصدى للمحتجين بالهراوات وقنابل الدخان ومدافع الماء الأسبوع الماضي، كان لافتاً أمس تظاهر نحو 3000 من أفراد هذه القوات أمام القصر الرئاسي في قرطاج، مطالبين بتحسين أوضاعهم الاجتماعية، في خطوة من شأنها أن تزيد الضغوط على حكومة الحبيب الصيد، التي لم تعلن اتخاذ إجراءات ملموسة تهدئ الحركة الاحتجاجية.
وأطلقت قوات الشرطة أمس قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق شبان عاطلين من العمل، تجمعوا أمام مقر الولاية في مدينة سيدي بوزيد، وحاولوا اقتحامها. كذلك خرج أمس عاطلين من العمل في قفصة، جنوب البلاد، وفي باجة، في شمالها، يطالبون الحكومة بالتنمية والشغل.
وفي الوقت نفسه، وقف بضعة آلاف من أفراد الشرطة، باللباس المدني، أمام قصر قرطاج الرئاسي، مرددين النشيد الوطني التونسي، ومطالبين الرئيس، الباجي قائد السبسي، بالاستجابة لمطالبهم التي حددها المتحدث باسم نقابة قوات الأمن الداخلي، شكري حمادة، قائلاً: «نحن نريد تحسين وضعيتنا الهشة، مثل بقية القطاعات الأخرى، خصوصاً أننا في خط المواجهة الأول (مع الجماعات الإسلامية المسلحة)، ونعرّض حياتنا للخطر فداء الوطن». وأضاف حمادة: «لم يعد لدينا ثقة في الحكومة التي لم تفِ بتعهداتها، وسنصعّد احتجاجاتنا إذا لم يُستَجَب لمطالبنا؛ ولكن سنواصل حماية وطننا بالغالي والنفيس». كذلك شهدت أمس مختلف المناطق والإدارات الجهوية والسجون في تونس اعتصامات مفتوحة لقوى الأمن.
وكانت الفعاليات المطلبية قد انطلقت في 10 كانون الثاني الجاري، بدعوة من النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي، تحت شعار «وطني نحميه، وحقي ما نسلمش فيه». وتجدر الإشارة إلى أن العشرات من قوى الأمن والجيش استشهدوا، منذ انتفاضة 2011، في هجمات مختلفة شنتها جماعات إسلامية مسلحة. ونظمت نقابة قوات الأمن مسيرة انطلقت من قرب المسرح الأثري بقرطاج، لتتوقف قبالة قصر قرطاج الرئاسي، حيث أغلق الحرس الرئاسي الممر على بعد 100 متر من القصر.
وتواجه حكومة الصيد، إلى جانب دعوات من المعارضة لتنحّيها، ضغوطاً كبيرة من المقرضين الدوليين لتقليص العجز في الميزانية، عبر خفض الإنفاق الاجتماعي والاستثماري خاصة، ضمن سلة مما يُسمى «الإصلاحات»، كما في الوصفات الجاهزة لصندوق النقد الدولي. ويوم الجمعة الماضي، تعهدت فرنسا بمدّ تونس برنامج قروض إضافية، بقيمة مليار يورو، تحت عنوان تطبيق برامج تشغيل الشبان في المنطقة المهمشة. وجدير بالذكر أن معدل البطالة في تونس ارتفع إلى 15.3% في العام الماضي، مقارنة بـ12% في عام 2010، وذلك مع تراجع الاستثمارات وضعف النمو، فيما ترتفع أعداد متخرجي الجامعات، الذين يشكلون نحو ثلث العاطلين من العمل في البلاد.
وخصصت تونس نحو 20% من موازنتها لسنة 2016 (البالغة نحو 13 مليار دولار) لقطاعي الدفاع والأمن، وفقاً لما أعلنه وزير المالية، سليم شاكر، في وقت سابق. وانتدبت وزارة الداخلية التونسية، في السنوات الخمس الأخيرة التي أعقبت الثورة، نحو 25 ألف عنصر أمن جديد، كذلك زيدت ميزانية الوزارة بنسبة 60%، وفق تقرير «الإصلاح والاستراتيجية الأمنية في تونس»، الذي نشرته مجموعة الأزمات الدولية في وقت سابق.
وأعلنت وزارة الداخلية التونسية أمس خفض ساعتين من مدة حظر التجوال الليلي الذي فرضته منذ الجمعة الماضي في كامل البلاد، ليصبح الحظر من الساعة العاشرة ليلاً إلى الساعة الخامسة صباحاً، بالتوقيت المحلي، وذلك بسبب «تحسن الوضع الأمني». وجاء القرار بعد اجتماع عقده الرئيس التونسي مع مجلس الأمن القومي، الذي يضم رئيس البرلمان ورئيس الحكومة وعدداً من أعضائها وقيادات أمنية عليا.
في سياق متصل، أعلن المتحدث باسم الحرس الوطني، خليفة الشيباني، أن قوات الأمن اعتقلت منذ بداية الاحتجاجات التي عمّت مدناً وبلدات عديدة، 1105 أشخاص، منهم 582 شاركوا في عمليات السلب والنهب والسرقة، و523 من المخالفين لقانون حظر التجوال، بحسب الشيباني الذي أضاف أن 114 عنصراً من قوات الأمن الداخلي أصيبوا بجروح، وأُحرقت 5 مقار أمنية، من بينها مقر تابع للجمارك، فضلاً عن 6 سيارات تابعة لقوات الأمن الداخلي، كذلك تضررت 35 سيارة إدارية.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب، الأناضول)