فصل جديد في الحرب الكلامية المستعرة بين تنظيمي «القاعدة» و«داعش» دشّنه أمس أبو محمد العدناني، المتحدث باسم الأخير. حدة الكلمة التي نشرتها «مؤسسة الاعتصام» غير مسبوقة. وتركت باب «الحرب الأهلية الجهادية» مفتوحاً على مصراعيه، سيما مع تأكيده في مطلعها بأنّ «حديثي له ما بعده». المتحدث أفرد حيزاً واسعاً من الكلمة المطولة (32 دقيقة) لاستعراض تاريخ العلاقة بين التنظيمين.
واستهلّها بشواهد من رموز القاعدة السباقين، مثل أسامة بن لادن وسليمان بو غيث (كويتي، متحدث باسم القاعدة) وأبو مصعب الزرقاوي، مستثمراً تلك الشواهد في إثبات «انحراف القاعدة عن نهجها»، حيث «هذه قاعدةُ الجهاد التي عرفناها، وهذا منهجُها، ومَن بدّلهُ استبدلناه».
وشدّد المتحدث على أن «مبايعة» تنظيمه للقاعدة سابقاً، جاء انطلاقاً من «الحرص على وحدة الجهاد العالمي». في سعي لإثبات أنها «بيعة» تقدير لا «بيعة» استقواء وتبعية. وأكّد أن «الدولة كبحَت جِماحَ جنودها، وكظمَت غيظَها على مدار سنين حفاظاً على وحدة كلمة المجاهدين ورصّ صفّهم. (...) فليسجّل التاريخ أنّ للقاعدة دَينا ثمينا في عنُقِ إيران. (...) وبسبب القاعدة أيضاً لم تعمَل الدولة في بلاد الحرَمين، تاركةً آل سلولٍ ينعمون بالأمن».
ثم نقل العدناني الخطاب إلى الزعيم الحالي للقاعدة، أيمن الظواهري «لم تخاطبنا ولا من قبلك يوماً خطاب الأمير لجنديه أو بصيغة الأمر أبداً». ورغم اللهجة الهادئة للخطاب، والاحترام الشكلي للظواهري، غير أن العدناني ذهب بعيداً في تسفيهه، فاتهمه بالمسؤولية عن «شق صفوف المجاهدين»، عبر عبارات عدة، ربطها دائماً بزعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني. ومنها «... فجرت الكارثة في الشام، وفجعت الأمة بقبولك بيعة الخائن الغادر». «أحزنت المسلمين إذ أيدت غدرة الغادر ونصرتها». «أنت من أوقد الفتنة وأذكاها». «لقد جمع الشيخ أسامة رحمه الله كلمة المجاهدين وأنت شققتها، ومزقتها كل ممزق».
وبدا أن العدناني يعرض على الظواهري صلحاً بشروط «داعش»، مصحوباً بتهديدات مبطنة في حال رفضه. وقال: «وضعت نفسك اليوم وقاعدتك أمام خيارين لا مناص عنهما: إما أن تستمر على خطئك (...) ويستمر الانشقاق والاقتتال بين المجاهدين في العالم. وإما أن تعترف بزلتك وخطئك فتصحح وتستدرك. وها نحن نمد إليك أيدينا من جديد». لكن «مد الأيدي» جاء مشروطاً بالتخلي عن الجولاني: «ندعوك أولا للتراجع عن خطئك القاتل، وردّ بيعة الخائن الغادر الناكث. (...) أنت أوقدت الفتنة، وأنت من تطفئها إن أردت». كما اقترن بشرط يطال «العمق الشرعي» للظواهري. حيث «ندعوك ثانياً لتصحيح منهجك. بأن تصدع بتكفير الروافض المشركين الأنجاس». واستمر المتحدث باسم «داعش» في ما بدأه في كلمة سابقة من نقل الصراع إلى ميادين إقليمية. فطالب زعيم القاعدة بـ «الصدع بردة الجيش المصري والباكستاني والأفغاني والمصري والليبي والتونسي واليمني. (...) وأن تدعو المسلمين لجهاد وقتال أولئك كلهم دعوة صريحة لحمل السلاح ونبذ السلمية وخصوصا في مصر لقتال جيش السيسي والتبرؤ من مرسي المرتد».
ودعا المتحدث الظواهري إلى «عدم تضييع إرث أسامة»، مؤكداً أن «ما دعوناك إلا لأمور شرعية، بل واجبة عليك. فهيا كي تكون حكيما وتطفئ الفتنة التي كنت سببها إذ جعلت من نفسك وقاعدتك أضحوكة ولعبة بيد صبي غر خائن ناكر ناكث للبيعة لم تره. وتركته يلعب بكم لعب الطفل بالكرة». لينتقل بعدها التهديد إلى التصريح الواضح: «بادر واحذر من خاتمة السوء».
وعُني العدناني بالتفصيل في الرد على كلمة الظواهري الأخيرة. مفنداً إياها، ومطالباً بإيضاحات «نسألك من أحفاد ابن ملجم الذين ذكرتهم في خطاب سابق؟. من هم الذين يجب على كل المسلمين أن يتصدوا لهم؟ من هم الخلف لقتلة عثمان؟. نرجو أن توضح توضيح الشجعان». كما حرص على تحميله مسؤولية دماء «المجاهدين»، لأن «جنودك في الشام من جبهة الجولاني، وحلفائهم من جبهة الضرار والمجلس العسكري الكفري، وباقي الصحوات فهموا أن المقصود هم جنود الدولة، فامتثلوا جميعهم لأمرك واستحلوا دماء المهاجرين والأنصار». أما المحكمة المستقلة التي دعا إليها الظواهري، فأكد العدناني أنها «أمر مستحيل. (...) لأنك شققت المسلمين شقين لا ثالث لهما، شق مع الدولة وأنصارها. وشق مع الفرقة المطالبة بالمحكمة المستقلة. فلا توجد على وجه الأرض هيئة مؤهلة مستقلة يرضى بها الطرفان».
وفجّر العدناني مفاجأة، عبر الدعوة إلى «اختيار خليفة للأمة». فقال: «أليس في المسلمين رجل صالح؟. (...) رجل رشيد يختاره المسلمون، فيعلن على الملء كفره بالطاغوت. (...) فنبايعه على ذلك وننصبه خليفة ونقاتل من عصاه بمن أطاعه. فننهي هذا التشرذم وهذا الخلاف فلا تبقى إمارة شرعية غيره»، واصفاً هذا الاقتراح بأنه «هو الحل ولا حل سواه».
أما في شأن انسحاب «داعش» من الشام، فقال «لن نعيد ونكرر بأن هذا أمر شبه مستحيل. (...) ولن نقول بأن الشام اليوم أشد حاجة من الأمس إلى الدولة غداة مهادنة النصيرية وبيعهم المناطق (في إشارة إلى اتفاق حمص). لكننا نقول: لئن قبل تنظيم القاعدة أن ينسحب المجاهدون طواعية من أرض يحكمونها بشرع الله ويسلموها على طبق من ذهب لائتلاف الجربا وصناديق اقتراعه، وهيئة سليم إبليس ومجلسه، وعصابات حياني وعفش ومجرمي جمال والزنكي والجبهة السلولية (الإسلامية). وجبهة الغادر الخائن (الجولاني) ولصوصها وضباعها، لئن رضيت القاعدة فإن ربنا وديننا يأبى ذلك». وأنهى العدناني: «ننتظر ردكم الحكيم الذي تزيلون به اللبس الذي خلفته كلمتكم الأخيرة»، قبل أن يؤكد لـ«المسلمين أن الخلاف بين الدولة والقاعدة خلاف منهجي. (...) وليس بيعة من لمن، ومرجعية من لمن».
واختار المتحدث إنهاء كلمته بمخاطبة «الرأي العام الجهادي»، عبر مطالبة «جميع أفرع القاعدة في كل الأقاليم ببيان رسمي وموقف واضح صريح: ما هو اعتقادكم في منهج الدولة وحكمكم عليها؟».