سألني أحد الأصدقاء من مدينة سلفيت، عندما التقيته للمرة الأولى خلال احدى المخيمات الكشفية في عين زحلتا - و كانت الرحلة الأولى و الوحيدة له خارج فلسطين- هل فعلاً تريدون العودة الى فلسطين؟كان سؤاله لي مباشر، لا يحتمل الا الإجابة الصريحة، لا مجاملات، لا وعود، لا احلام، و لا «ان شاء الله»!
أذكر تماماً حرقته و هو يحدثني عن بعض الفلسطينيين الذين قابلهم و نقلوا له عدم رغبتهم بالعودة الى موطنهم الأصلي، و عدم تمسكهم بالأرض، بالشعب، بالشجر و الحجر هناك. قال لي:»انا فهمت من كتير أشياء صارت انهم ما بشوفوا فلسطين متل ما توقعناهم يشوفوها، فهمت من تصرفاتهم، من لهجتهم اللي ما بتشبهنا، من «طعجة» لسانهم لمن بحكوا، من المواضيع اللي بتحدثوا فيها..بس توقعت الكلام يكون ألطف، توقعت لمن نسألهم اذا بدهم يرجعوا، يحكولنا آه بدنا، و أكيد منحلم و منشتغل على انو نشوف بلادنا بيوم من الأيام. بس انو توصل لحد انو واحد منهم يرد علي بوقاحة و يسألني لشو؟ قال لشو يرجع ما هوي عايش هون من وقت ما خلق و درس و اشتغل هون!»

وقتها استنفر الوفد القادم من فلسطين جميعه و قرروا الانسحاب من المخيم و الرجوع من حيث أتوا، الرجوع الى سلفيت و بلعين و الخليل و كوبر... الى أن علمنا نحن- الذين رفضنا حديثاً، تسمينا باللاجئين و أطلقنا على أنفسنا لقب العائدين، الفلسطينيين العائدين، و ذهبت أتناقش معه و أقنعه بالبقاء، لا لسبب الا لأنها كانت المرة الأولى في حياتي التي ألتقي فيها فلسطينيا من فلسطين!

أخبرته اننا نرى
ونسمع ما يحدث
مع أهلنا في
الداخل

أخبرته أن مجرد فكرة تحملهم التحقيقات على المعابر الصهيونية و التفتيش و الضغوطات كلها للوصول الى لبنان و مقابلتنا و التعرف علينا تكفينا. أخبرته أن قدومهم الى هنا هو حلمٌ بالنسبة لنا، ان يكون لي أصدقاء حقيقين من الداخل، أعرف أسماءهم، أعرف تفاصيل حياتهم، كيف يعيشون، كيف يتحركون داخل البلد، بماذا يشعرون تجاه تحركات العدو و تتدابيره السياسية و الأمنية، بماذا يشعرون عندما يمرون على المعابر و ماذا يمثل الجدار -الذي يرتفع من ناحية الفلسطينيين و يظهر منخفضا مو مزيناً بالأشجار من ناحية الإسرائيليين- بالنسبة لهم...كلها أخبار مهمة بالنسبة لنا. أخبرته اننا نرى و نسمع ما يحدث مع أهلنا في الداخل و نتابع الإعتقالات الادارية و الحركات التعسفية و الهمجية التي يفرضها العدو عليهم بالقوة و أننا لأجل هذا كله، نريد العودة الى فلسطين.
والآن بعد اربع سنوات من إلتقائي به، و بعد 66 سنة على ذكرى النكبة، ذكرى خروجنا –مرغمين- من فلسطين، أخبره أننا حاليا أكثر إيمانا بالعودة، لأجل سامر العيساوي و أطول اضراب عن الطعام في التاريخ، لأجل حوالي 140 أسيراً إداريا مضربون عن الطعام منذ اكثر من 20 يوماً، لأجل الشهيد «الجدع» معتز وشحة الذي كان شجاعاً بما يكفي ليقف وحيداً أمام مجموعة صهيونية مجهزة بالأسلحة و الدبابات التي قصفت بيته، لأجل المظاهرات الأسبوعية التي يقوم بها سكان بلعين و نعلين، لأجل أهلنا الذين زاروا بحر حيفا منذ أيام قليلة، لأول مرة في حياتهم، بالرغم من أن البحر بحرهم و الأرض أرضهم، لأجل الأطفال الذين يُعتقلون يومياً على يد الكيان الصهيوني...
لأجل كل هذا و لأجلكم، نريد أن نعود!