رغم توقف المحادثات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية رسمياً في أعقاب اتفاق المصالحة بين الأخيرة وحركة حماس، لم تتوقف الاتصالات بين رام الله وتل أبيب عبر وزيرة القضاء المسؤولة عن ملف المفاوضات تسيبي ليفني التي اجتمعت الخميس الماضي مع رئيس السلطة محمود عباس في لقاء جرى تخريجه إسرائيلياً على أنه «غير رسمي»!
ونتيجة تسرب اللقاء إلى العلن، اضطر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى تسجيل موقف معارض يتبرأ فيه منه على قاعدة أن ليفني لم تكن تمثل الحكومة، مع أنه علم أنها ستلتقي عباس. ونقلت الصحف الإسرائيلية عن مكتب نتنياهو قوله إنه أوضح لليفني قبل اللقاء أن ما تفعله على مسؤوليتها الشخصية.
ووفق مسؤول إسرائيلي، فقد أبلغت ليفني نتنياهو نيتها عقد الاجتماع مع عباس قبل 24 ساعة من موعده، فأبلغها أن «الحكومة الإسرائيلية قررت ألا تتفاوض مع حكومة فلسطينية تدعمها حماس»، وذكّرها بأنها صوّتت على هذا القرار.
على خط مواز، هاجم نتنياهو، خلال جلسة حكومته أمس، رئيس السلطة على خلفية أن «إحياء ذكرى النكبة تحريض على إسرائيل وتشويه لصورتها». وقال نتنياهو: «السلطة تواصل التحريض دون توقف وبما يشوّه صورة إسرائيل والشعب اليهودي، وذلك يتمثل في مسيرات الحداد على ما يسمونها النكبة».
وفي الوقت الذي رفض مكتب ليفني التعقيب على انتقاد مكتب نتنياهو لها، حاول من في محيط الأولى تقديم اللقاء على أنه هدف إلى استكشاف وجهة نظر عباس بعد إخفاق المفاوضات وعقده مصالحة مع حماس، وأن الوزيرة الإسرائيلة أوضحت له أن خطوة المصالحة مع حماس تسبب إشكالية ولا تتماشى مع استمرار المفاوضات.

رفض مكتب
ليفني التعقيب على انتقاد مكتب نتنياهو لها
وأحدث الكشف عن لقاء ليفني ــ عباس ردود فعل سياسية إسرائيلية واسعة، فدعا بعضهم إلى استقالتها فوراً «لأنها لم يعد لها مكان في الحكومة وهي تتسبب في خلق الأضرار من أجل مصالحها الشخصية»، كما انتقدها وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، مذكّرا بأن ليفني نفسها دعمت تجميد المفاوضات على ضوء اتفاق المصالحة مع حماس،
كذلك كان موقف أعضاء اللجنة الوزارية للتشريع وسن القوانين التي تترأسها ليفني مشابهاً، فهم عبّروا عن غضبهم الشديد إزاء اللقاء، مشيرين إلى أنها تنفذ تلك الأفعال من أجل تأكيد بقائها في الحكومة. في المقابل، قال أعضاء في حزب «الحركة» الذي تترأسه ليفني إنهم سيواصلون العمل على دفع المفاوضات قدماً مع الفلسطينيين من داخل الحكومة الإسرائيلية.
أما في ما يتعلق بالتوجهات الأميركية، فذكرت صحيفة «هآرتس» أن الرئيس باراك أوباما يرغب في استغلال «مدة التوقف» التي أعلنت بعد إخفاق المفاوضات حتى «يجري نتنياهو وعباس حساباً مع النفس وتظهر منهما جدية في سعيهما إلى التوصل إلى اتفاق سياسي إلى جانب أن يدركا أن ثمن إحباط عملية السلام أكثر من نجاحها».
ونقلت «هآرتس» عن مصدر مطّلع في البيت الأبيض تأكيده أن أوباما لا ينوي نبذ الوساطة كلياً «بل يريد أن يبدي تدخلاً أقل حتى يصبح الجانبان مؤهلين ليستمرا في السلام»، لافتة إلى أن مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس كانت قد أوضحت لنتنياهو وعباس خلال زيارتها الأخيرة أن الولايات المتحدة تترك الباب مفتوحاً أمامهما إذا رغبا في العودة إلى المفاوضات مع نية جدية للحل.
وذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم» أن الدول الأوروبية تضغط على إسرائيل كي توافق على حكومة التكنوقراط الفلسطينية التي ستضم حركة حماس إلى جانب استئناف المفاوضات مع السلطة. «لكن رئيس الحكومة نتنياهو أوضح أن على الفلسطينيين الاختيار بين السلام مع إسرائيل أو حماس».
مصادر إسرائيلية توقعت أن تعترف اللجنة الرباعية الدولية بحكومة الكفاءات الفلسطينية المزمع تشكيلها قريباً إذا لم تشارك فيها «حماس» مباشرة.
ونقلت الإذاعة الاسرائيلية العامة أمس عن مصادر لم تسمّها قولها إن «الرباعية» ستصدر بياناً خلال المدة القريبة من شأنه أن يضع صعوبات أمام إسرائيل في سعيها إلى إقناع المجتمع الدولي بمقاطعة حكومة الفلسطينيين الجديدة، وأضافت: «مع ذلك ستطالب اللجنة تلك الحكومة بأن تعترف بإسرائيل والاتفاقات السابقة الموقعة معها».
ومع تعثر التسوية، لا تزال إسرائيل تواصل بناءها الاستيطاني. فقد أصدرت اللجنة القطرية للتخطيط والبناء التابعة لسلطات الاحتلال في القدس المحتلة أمس قراراً أوّليّاً بالمصادقة على المخطط الهيكلي لإقامة «حديقة وطنية» على أراضي قريتي العيسوية والطور شرقي المدينة، الأمر الذي سيؤدي إلى مصادرة قرابة 700 دونم من أراضي القريتين. وبذلك تكون اللجنة قد صادقت على المخطط الأصلي مع بعض التعديلات، من بينها إخراج 40 دونماً من أراضي العيسوية خارج المخطط. كذلك أمرت اللجنة بتجميد العمل على تطبيق المخطط لمدة 60 يوماً من أجل إتاحة المجال أمام سلطات التخطيط التي أعدّت المخطط وممثلين عن أهالي القريتين الذي قدموا اعتراضات على هذا المخطط للشروع في مفاوضات حول حدود المخطط.
ويهدف مخطط الحديقة إلى محاصرة البلدات الفلسطينية ومنعها من التواصل الجغرافي والسكاني بينها وبين الأحياء والمناطق الأخرى، كما يهدف إلى ربطها بالمنطقة E1 والمناطق الإسرائيلية الاستيطانيّة الأخرى عبر تخطيط الخرائط الهيكليّة في الضفة بالتنسيق مع سلطة مستوطنة معاليه أدوميم. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المخطط يأتي إلى جانب آخر شبيه يُقام على المنطقة المحاذية لها، وهو مخطط سيصادر أكثر من 500 دونم من أراضي عناتا والعيسويّة لإقامة مزبلة نفايات وشبكة بنى تحتيّة.