لم تكن الصورة أول من أمس في طرابلس تشبه التي بثّها اللواء الليبي خليفة حفتر حين أعلن انقلاباً عبر مؤتمر تلفزيوني في شباط الماضي. الانقلاب الآن أصبح فعلاً على الأرض. أنصار حفتر وجنوده يقولون إنهم أتوا بعملية «كرامة ليبيا» ليخلصوها من فوضى السلاح والمجموعات الإسلامية المتشددة. الطرف الآخر يرى أن هذا التحرك مدعوم خارجياً من أجل مآرب أخرى.
وحتى يبعد اللواء نعت الانقلاب العسكري عن عمليته التي بدأت من بنغازي وانتقلت إلى العاصمة حاصدة أكثر من 80 قتيلاً، سارع إلى بناء تحالف بين «الجيش الوطني» الذي يقوده، والقوتين الضاربتين عسكرياً في طرابلس (لواء القعقاع وكتيبة الصواعق). هو كان ينطلق في توجيهه النقد إلى السلطات الانتقالية من نقطة «تقديمها الدعم إلى ميليشيات الثوار السابقين، وتهميش ضباط الجيش الليبي السابق في عهد معمر القذافي رغم انضمامهم المبكر إلى صفوف الثورة»، كما يقول.
كذلك، تحالف حفتر مع لواء المدني، وهو مكوّن من قوات قبلية تشير كل التقارير إلى أنها هي التي اقتحمت مقر المؤتمر الوطني (البرلمان)، حتى أعلن المتحدث باسم الجيش الوطني محمد الحجازي تبنّيه اقتحام المقرّ ثم المطالبة بتجميد أنشطته وتسليم السلطة إلى هيئة تضع دستوراً جديداً للبلاد.
على الحدود البرية والبحرية، دفعت الولايات المتحدة بقوات من مشاة البحرية (المارينز) إلى جزيرة صقلية قبالة ليبيا تحسباً لأي طارئ، وفق تقارير إعلامية، كما حشدت تونس حوالى خمسة آلاف جندي على حدودها، وأعلن الجيش الجزائري حالة الطوارئ أيضاً بحشد عدد أكبر، والقرار نفسه مع الجيش المصري.
هذا الحشد العسكري الأميركي والعربي تزامن مع سحب كل من السعودية والإمارات بعثتيهما الدبلوماسيتين من ليبيا. وسبق ذلك نقل السفير الجزائري إلى بلاده بعد إحباط محاولة خطف تعرض لها قبله السفير الأردني الذي حرر في صفقة تبادل غير علنية. وجاء إعلان الاتحاد الأوروبي قلقه الكبير حيال «تدهور الوضع في ليبيا» ليجلب الالتفات الدولي، فضلاً عن حديثه عن الارتفاع الكبير، منذ مطلع العام، لأعداد المهاجرين الوافدين إلى أراضي الاتحاد بمئات الآلاف انطلاقاً من ليبيا.
كل الأحداث الأمنية التي مست البعثات الدبلوماسية على أعلى مستوياتها تدفع المراقبين إلى التكهن بأن خطوة حفتر ستكون مرضياً عنها على ضوء تنامي نفوذ الميليشيات المسلحة والمجموعات الإسلامية الذي لن يستطيع أحد إيقافه في حال بقيت ليبيا من دون نظام سياسي قوي يحكمها، وهو ما يمهد الطريق للقول إن اللواء المتقاعد يأخذ هذه السبيل بدعم خارجي قوي.
ويذكّر مراقبون بأن الأميركيين تمكنوا من تحرير حفتر بعد عملية ليبية في تشاد وخلاف مع القذافي، وذلك في عملية لا تزال لغزاً إلى اليوم، ثم مُنح اللجوء السياسي في الولايات المتحدة، وانضم إلى حركة المعارضة الليبية في الخارج، لذلك تشارك نظام القذافي والثوار على الأخير في اتهام حفتر بأنه عميل للاستخبارات المركزية الأميركية.
ولم يعد الرجل إلى ليبيا إلا بعد ثورة 17 شباط 2011 التي كان له فيها دور كبير، خصوصاً في بنغازي، ثم في نهاية 2011، اتفق القادة العسكريون الجدد على اختيار حفتر رئيساً جديداً لأركان الجيش الوطني الذي خُطط إنشاؤه خلفاً لجيش النظام السابق.
وفي محاولة لربط الصورة، يرجّح معارضوه أن نجاحه في المحاولة الثانية بعد ما سمّوه «الانقلاب التلفزيوني» وتزامُنِ ذلك مع الوجود العسكري الأميركي، يطرح سيناريو خطيراً يشير إلى أن هناك من اتخذ قرار الحسم في ليبيا، فيكون حفتر اليد الضاربة في الأرض ومن خلفه هناك من يراقب ويمكن أن يتدخل حين الحاجة.
وما يدعم هذا التوجه معلومات تتحدث عن أن أطرافاً عربية وغربية معنية بالشأن كانت على علم بالعملية العسكرية الأخيرة لكنها لم تتدخل إلى اللحظة في الحدث الليبي الذي انطلق من بنغازي ويخدم توجهات تلك الأطراف بالقضاء على جماعات التشدد، خصوصاً عصبها جماعة (أنصار الشريعة) القريبة من الإخوان المسلمون.

دعم إقليمي ــ دولي لـ«انقلاب» حفتر... مشاركة مصرية محتملة في تأمين حقول النفط
كل هذه السيناريوات تقف عند نتائج الأيام المقبلة، لكن أحداً لا يستطيع أن ينكر أن الوضع الليبي غير المستقر منذ أعوام أصبح قلقاً أمنياً كبيراً على محيطه العربي (الجزائر، وتونس، ومصر) أولاً، وعلى امتداد البحر ثانياً، وهذا ما دلّ عليه عقد مؤتمر «أصدقاء ليبيا» في العاصمة الإيطالية روما لمناقشة سبل مكافحة الإرهاب في آذار الماضي.
على المستوى العربي، عبّر وزير الدفاع السابق والمرشح الحالي للرئاسة المصرية المشير عبد الفتاح السيسي عن رؤيته حيال الوضع في ليبيا التي تشكل جزءاً كبيراً من خريطة الإرهاب المنتشرة في المنطقة، قائلاً في حوار متلفز إن للغرب دوراً في صناعة هذا الوضع.
السيسي رأى أن الغرب لم يستكمل مهمته في ليبيا، «فقد كان المفروض تجميع السلاح المنتشر في كل مكان حتى تستقر الدولة إلى جانب تكوين حكومة والدخول في عملية ديموقراطية حقيقية، وأخيراً تحسين القدرات الأمنية لقوات رسمية هناك».
هذه التصريحات ترافقت مع تصاعد وتيرة اتهامات أطراف ليبية للجيش المصري والسيسي بالمشاركة في دعم قوات حفتر الذي كان قد قال في بيان متلفز سابق إن المصريين عرضوا عليه نشر قوات عسكرية في منطقتي «الوادي الأحمر ودالك» للسيطرة على الحقول النفطية في الهلال، وهي من أهم حقول النفط في ليبيا. كذلك تتهم الجماعات الإسلامية الليبية المتشددة الجيش المصري باستخدام الطائرات في قصف جوي مباغت على أحد مقار كتائبها في بنغازي لتمهيد الطريق أمام قوات «حفتر» للسيطرة على المقر.
وفيما لم يصدر نفي أو تأكيد من الجيش المصري، يرجّح مراقبون أن دعم الجيش لحفتر في حال حدث سيكون بناءً على اعتبارات عديدة تتعلق بالقرب الجغرافي والأمن القومي المصري والحرب على الجماعات الإسلامية المسلحة. لكن قدرة اللواء المتقاعد على السيطرة على مقاليد الوضع الأمني في البلاد مرهونة بإقناع مزيد من الأطراف على المستوى الأمن في الوقوف معه، لأنه لا يستطيع بقواته وحدها حسم المعركة.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب)




مبادرة حكومية طارئة

أعلنت الحكومة الليبية المؤقتة، في ختام اجتماع طارئ لها أمس، أنها قدمت «مبادرة وطنية» إلى المؤتمر الوطني العام تقضي بأن يدخل المؤتمر «إجازة برلمانية» حتى انتخاب برلمان جديد. وجاء في بيان صادر عن الحكومة أنه «رغبة منها في تجنب الانزلاق إلى الاقتتال الداخلي، فإنها تتقدم بمبادرة الإجازة البرلمانية لرأب الصدع».
وفي تفاصيل المبادرة أنه «بعد انتهاء استحقاق إقرار ميزانية الدولة الليبية لسنة 2014 يدخل المؤتمر العام إجازة برلمانية حتى انتخاب برلمان جديد تسلم له السلطة التشريعية عند ذلك». وأشارت الحكومة المؤقتة إلى أنها ستتقدم باستقالتها في أول جلسة للبرلمان الجديد.
كذلك تضمنت المبادرة اقتراح تصويت أعضاء المؤتمر مجدداً لإعطاء الثقة لرئيس الحكومة أحمد معيتيق بعدما جرى التصويت بالثقة له في مطلع أيار بطريقة فوضوية دفعت نواباً إلى التشكيك في صحة اختياره.
(الأخبار)