بعد فشل جولات التفاوض التي توزعت على تسعة أشهر، بين رام الله وتل أبيب، حرص رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على أن يبدو كمن يرفض الجمود السياسي، لجهة ما يترتب عليه من تداعيات تتصل بقيام دولة ثنائية القومية، وهو سيناريو كرر رفضه في العديد من المناسبات.
والتزاماً بهذا الخيار، حرص نتنياهو على أن يبدو كمن يبحث عن خيارات بديلة من المفاوضات، بما يؤدي إلى تغيير الوضع القائم. في الوقت نفسه، برزت تقديرات صادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، تتحدث عن أن البديل الأقل سوءاً، في ضوء استبعاد الخيارات الأخرى، يقوم على «خطوات من طرف واحد لرسم الحدود، عبر خطة استراتيجية لفرض حل الدولتين، حتى من دون اتفاق كامل بين الطرفين ومن دون منح الفلسطينيين حق الفيتو على تنفيذ حل الدولتين».
التسليم بفشل محاولات التوصل إلى اتفاق نهائي مع السلطة بات أمراً واقعاً يفرض نفسه على كافة كتل الحكومة الإسرائيلية، وبشكل أساسي حزب الحركة الذي تترأسه وزيرة العدل تسيبي ليفني، خاصة أن مبرر وجودها واستمرارها في الحكومة متصل حصراً بالدور المفترض لها في الدفع نحو التسوية مع السلطة الفلسطينية. وعلى ذلك، أوضحت ليفني، في مقابلة مع قناة الحرة، أنه إذا تبين أن فرص التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين أصبحت معدومة، يجب دراسة أفكار أخرى من أجل تحقيق حل الدولتين. ولفتت أيضاً إلى أنها تعمل حالياً في اتجاهات مختلفة، في ظل وصول عملية السلام إلى طريق مسدود. ولا يبعد أن يتم توظيف هذه المواقف في سياق الضغط على السلطة الفلسطينية، باعتبار أنها ترفض خيار فرض حدود الكيان السياسي الفلسطيني من جانب واحد، لكونه بالتأكيد سيتعارض مع السقف الذي تطالب به. والعامل الحاسم الذي سيحكم خطوة من هذا النوع هو الاعتبارات الإيديولوجية والأمنية والسياسية الداخلية الإسرائيلية.
في كل الأحوال، أتى موقف ليفني هذا بعد لقائها الإشكالي الأخير مع رئيس السلطة محمود عباس، الذي أحدث ردود فعل متفاوتة في الساحة الإسرائيلية، بمن فيهم نتنياهو الذي تبرّأ من هذه الخطوة واعتبرها موقفاً شخصياً. لكن ليفني بررته بالتأكيد على اعتقادها بضرورة إجراء حوار مباشر، وإذا كانت هناك فرصة لمثل هذا الحوار يجب استغلالها.
أما في ما يتعلق بالموقف الأميركي بعد التطورات التي أعقبت وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، فقد أكدت وزارة الخارجية الأميركية أن الوزير جون كيري يعتقد بأن الباب لا يزال مفتوحاً أمام محادثات السلام، لكنها نفت أن يكون كيري وراء الاجتماع بين ليفني وعباس. ومن ناحية أخرى، قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية إن تعامل واشنطن مع أي حكومة فلسطينية تشارك فيها حركة حماس مرتبط باعتراف الحركة بإسرائيل ونبذ الإرهاب والالتزام بالاتفاقات السابقة.
إلى ذلك، ذكرت صحيفة «هآرتس» أنه على الرغم من موقف إسرائيل المعارض، فإن الإدارة الأميركية تنوي التعاون مع حكومة الوحدة الفلسطينية التي سيتم تشكيلها قريباً، حتى بدون إعلان حماس قبولها لشروط الرباعية الدولية، الاعتراف بإسرائيل واحترام الاتفاقيات السابقة ونبذ العنف. وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض للصحيفة، إنه ما دام برنامج الحكومة يتبنّى شروط الرباعية فإن ذلك سيكون كافياً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، موضحاً «نحن نريد حكومة تعترف بهذه الشروط، أما بالنسبة إلى كل ما يتعلق بتركيب الحكومة، فنحن لا نستطيع تحديد ذلك للفلسطينيين، ولا يمكننا هندسة كل واحد من أعضاء الحكومة الجديدة».
وفي هذا السياق، ذكرت «هآرتس» أيضاً أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أوضح لمستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس، خلال اجتماعهما في رام الله، ولوزير الخارجية جون كيري، خلال اجتماعهما في لندن الأسبوع الماضي، أن الحكومة الجديدة ستلتزم ببرنامجه السياسي وتلبّي شروط الرباعية الدولية، مضيفاً أن هذه الخطوة لن تلحق ضرراً بالمفاوضات مع إسرائيل.
وينسحب الموقف الأميركي من الحكومة الفلسطينية العتيدة على الموقف الذي أعلنه وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في ختام اجتماعهم، الأسبوع الماضي، أكدوا فيه تعاونهم ودعمهم للحكومة الفلسطينية الجديدة التي ستقوم على أساس مهني وليس على تمثيل حزبي. واشترط الاتحاد الأوروبي أيضاً اعتراف الحكومة بإسرائيل، والعمل بوسائل غير عنيفة، والقبول بمبدأ الدولتين، والاستعداد للمفاوضات مع إسرائيل.