علمت «الأخبار» من مصادر فلسطينية مُطلعة أن حالة من الغليان والتوتر غير المسبوق تدور في السر بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من جهة، والرئيس محمود عباس الذي قرر «قطع العلاقة نهائياً مع الجبهة» من جهة أخرى. كذلك أمر أبو مازن بوقف مخصصات الجبهة ومستحقاتها المالية الصادرة من الصندوق القومي الفلسطيني، فضلاً عن منع دعوتها إلى حضور أي اجتماعات رسمية، بما في ذلك جلسات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
وأفادت المصادر بأن «الغضب الجبهاوي الذي فتح على عباس» من قيادات الداخل والخارج يأتي رفضاً لـ«التوجهات السياسية التي تسلكها القيادة المتنفذة في المنظمة، وبعد مطالبات الجبهة بوقف نهج الفساد والتفرد الذي يقوده عباس». وعليه، فإن هذه القرارات ــ غير المعلنة ــ من وجهة نظرها هدفها معاقبة الجبهة الشعبية على مواقفها، «لكنها فاقدة للشرعية ولا قيمة لها، بل هي غير قانونية ومبعثها عقابي فقط».
ونقلت مصادر متطابقة لـ«الأخبار» أن ردّ فعل عباس لم يكن سببه رفض الجبهة الشعبية للمفاوضات فقط، «فما دفعه إلى ذلك الحملة التي أثارتها الجبهة في الآونة الأخيرة بشأن قضايا تتعلق بالفساد السياسي والمالي في مؤسسات المنظمة، وانفراد أبو مازن في القرار الفلسطيني، واقتصار مشاورات الحكومة على فتح وحماس». كذلك علمت «الأخبار» أن سلسلة اجتماعات سرّية عُقدت في رام الله بين محمود عباس وممثل الجبهة الشعبية المؤقت في اللجنة التنفذية عبد الرحيم ملوح بحضور أمين السر للجنة ياسر عبد ربه ورئيس المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج. وعقدت اجتماعات مماثلة في العاصمة الأردنية عمان بين رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون ونائبه تيسير قبعة (من الجبهة الشعبية). وفي الاجتماع الأخير، جرى إبلاغ قيادة الجبهة قرار الرئيس الفلسطيني «وقف التعامل نهائياً معها واعتبارها خارج مؤسسات المنظمة بسبب انسحابها من جلسة للمجلس المركزي، وما صدر من تصريحات عنها ووصفها اتفاق أوسلو بأنه كان خيانة للشعب الفلسطيني».

دحلان حسم
قراره بدخول الانتخابات المقبلة رغم حكم قضائي بحقه
وذكرت المصادر أن الجبهة الشعبية أبلغت كلاً من عباس والزعنون وقيادات فلسطينية أخرى رفضها القاطع قرارات «أبو مازن»، واصفة إياها بأنها «محاولة ابتزاز رخيصة من أجل توفير غطاء للمفاوضات العبثية مع العدو الصهيوني، والاستمرار في نهج التفرد في مؤسسات المنظمة»، مؤكدة في الوقت نفسه أن مواقف الجبهة ثابتة في هذا الإطار ولن تتغير.كذلك استنكر قيادي في الجبهة، تحفظ على ذكر اسمه، القرارات، قائلاً في أحد الاجتماعات: «هل كان من الممكن أن يقدم عباس على مثل هذه الخطوة لو تنازلت الجبهة عن موقفها بشأن المفاوضات مثلاً، أو وفرت له الغطاء في مؤسسات المنظمة، أو اعترفت بالكيان؟». وتساءل: «هل يظن عباس أن قطع المخصصات عن عائلات الشهداء والأسرى والمناضلين من الجبهة، وهي حقوق أصيلة لها ولهم، سوف يثنيها عن مواقفها المبدئية والتاريخية؟ وهل من حق فرد واحد مهما كان موقعه السياسي أن يطرد فصيلاً مؤسّساً في المنظمة بعيداً عن منطق الحوار وقرار المؤسسة». وتابع أن «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هي التنظيم الثاني في منظمة التحرير وأحد الفصائل الرئيسية المؤسسة لها... خطوة محمود عباس تعبّر بالضبط عن نهج التفرد والإقصاء الذي يمثله ويقوده داخل السلطة وفتح».
في شأن المصالحة، كشفت مصادر فلسطينية مسؤولة عن أن عباس يضع التصور النهائي لحكومة الكفاءات المتفق على تأليفها بين حركتي «فتح» و«حماس». وقالت تلك المصادر إن هناك توجهاً لاختيار وزير الداخلية من قطاع غزة ليتمكن من التفاهم مع «حماس» والفصائل بحرية أكثر، على أن يختار وزير المالية من الضفة المحتلة حتى يكون قريباً من الرئاسة. وقال النائب الأول في المجلس التشريعي الفلسطيني وعضو كتلة التغيير والإصلاح التابعة لـ«حماس»، أحمد بحر، إن الحكومة المقالة التي تديرها حركته منذ عام 2007 تستعد لتسليم وزاراتها لحكومة التوافق الوطني المقرر الإعلان عن تأليفها في الأيام المقبلة. وأضاف بحر، في كلمة له خلال حفل إصدار رواية أدبية في غزة أمس، أن «الحكومة تحض إخواننا على تسليم وزاراتهم للإخوة في حكومة التوافق».
ورغم هذا التقدم في ملف تأليف الحكومة، فقد نفى المتحدث باسم «فتح» في غزة فايز أبو عيطة أن تكون هناك زيارة هذا اليوم لمسؤول ملف المصالحة عن حركته عزام الأحمد، موضحاً في تصريح صحافي أن زيارة الأحمد لغزة لا تزال قائمة «لكنها ستجري بعد أن ينتهي عباس من دراسة حصيلة المشاورات السابقة التي أجراها الأحمد مع قيادة حماس الأسبوع الماضي». وكان الأحمد قد صرح بأن حكومة التوافق سترى النور خلال أسبوع على الأرجح، ذاكراً أن هناك اتصالات أجريت مع عدة دول لضمان دعم هذه الحكومة «فضلاً عن أن الولايات المتحدة والرباعية الدولية ستعملان على ضمان الاعتراف بها». في سياق آخر، أعلن النائب الفتحاوي المفصول من حركته محمد دحلان أمس أنه حسم قرار المشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، رغم قرار محكمة الصلح في رام الله القاضي بحبسه سنتين بتهمة الذم والتحقير. وقال عبر صفحته على «فايسبوك» إن القرار الذي صدر بحقه أخيراً هدفه تعطيل مشاركته في المؤتمر المقبل لفتح. يشار إلى أن القيادي في حماس والمستشار السابق لرئيس وزراء الحكومة المقالة، أحمد يوسف، قال إن أسماء المرشحين أصبحت بين يدي الرئيس عباس لاختيار تشكيلة حكومته المقبلة، ذاكراً في تصريح له أن عباس يضع الآن بصماته النهائية لاختيار اسم من بين ثلاثة لكل وزارة، «على أن تكون الحكومة مصغّرة وتضم 15 أو 16 وزيراً».
(الأخبار)