بدأت «رحلة السلام» التي يقودها البابا فرنسيس الأول في المنطقة ضمن أول زيارة له إليها، وبرفقته حاخام يهودي وشيخ مسلم من أجل ترويج رؤيته بشأن الحوار بين الأديان. الزيارة لم تخل من التوصيفات السياسية المتعلقة بها، وخاصة أن موطئ قدمي البابا على فلسطين المحتلة، حيث الصراع الأكبر والأطول في العصر الحديث.
ومن المخطط أن تستغرق الزيارة ثلاثة أيام، وتشمل الأردن اليوم والضفة والقدس المحتلتين غداً ثم إسرائيل، وجدول الزيارة هذا يجعل بقعة الضوء كبيرة على أقوال البابا وأفعاله، ولا سيما خلال اجتماعاته مع اللاجئين السوريين أو المسيحيين الذين تتناقص أعدادهم في الأراضي المقدسة، كما يجري متابعة محادثاته مع زعماء المنطقة بحثاً عن أي مدلولات سياسية.
وسيزور فرنسيس الأول المدن الدينية، وعلى رأسها القدس وبيت لحم، لكن بما أن المدينة المحتلة لا تزال تحت وصاية دولية وموضع خلاف بين المسلمين وإسرائيل، فإن المحطة الثانية في بيت لحم التي تستغرق ست ساعات تسجل على أنها زيارة لـ«دولة فلسطين»، وهو مصطلح تتحفظ عليه إسرائيل. عبّر عن هذا التحفظ المستشار الدبلوماسي للبرلمان الإسرائيلي والسفير السابق لدى الفاتيكان عوديد بن هور حين قال: «لسنا سعداء بهذا الشأن، لكن الفاتيكان استخدمت هذا المصطلح».
ليس هذا أول موقف، فالفاتيكان كانت قد أغضبت إسرائيل عام 2012 بتأييدها تصويتاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة لمنح الفلسطينيين اعترافاً بوضع دولة مراقب غير عضو، وهي تؤيد حلاً للصراع يقضي بإنشاء دولتين مع حدود آمنة لإسرائيل دون تحديد رؤية واضحة في ما يخص وضع القدس التي لم تضع سفارتها فيها، لكنها تشدد على حماية المدينة بناءً على أنها تشمل مقدسات تخص الأديان.
ومما يظهر مدى تعقيدات الوضع السياسي، أنه بدلاً من أن يقطع فرنسيس مسافة قصيرة بالسيارة من بيت لحم إلى القدس، فإنه سينتقل بطائرة هليكوبتر إلى تل أبيب، ثم تقله هليكوبتر أخرى إلى القدس. وهنا أشاد رئيس الحكومة المقالة في غزة إسماعيل هنية، برفض البابا دخول الأراضي الفلسطينية عبر الأجواء الإسرائيلية، واتخاذ الحدود الأردنية ـ الفلسطينية بديلاً من ذلك.

بارولين: البابا
سيؤكد حق إسرائيل
في الوجود
ما عزز الحديث عن الدلالات السياسية التي لم يقر بها البابا، إعلان أمين السر وزير خارجية الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين أول من أمس أن «الزيارة لها بطريقة ما طابع سياسي، حتى وإن كان الحبر الأعظم نفسه قد أكد أنها زيارة دينية بحتة». وقال إن هذه الزيارة يمكن أن تساعد المسؤولين المحليين (الفلسطينيين والإسرائيليين) على أخذ قرارات شجاعة على طريق السلام.
وأوضح بارولين أن إحدى هذه النقاط هي أن البابا سيؤكد «حق إسرائيل في الوجود والعيش بسلام وأمن داخل حدودها المعترف بها دولياً، وكذلك حق الشعب الفلسطيني في أن يكون له وطن مستقل يتمتع بالسيادة». وسبقت هذه الزيارة اثنتان: واحدة للبابا الراحل يوحنا بولس الثاني عام 2000، والبابا بنديكت عام 2009.
بالتزامن مع ذلك، ناشد كهنة فلسطينيون في بطريركية اللاتين (روم كاثوليك) البابا بالتوسط لدى إسرائيل للحصول على حرية تنقلهم، ولا سيما من أجل زيارة القدس. وكتب هؤلاء الكهنة العشرون في رسالة إلى فرنسيس أنه لا يحق لهم التوجه إلى القدس المحتلة من دون إذن من السلطات العسكرية الإسرائيلية، وأن هذا يعرقل مجمل مهمتهم الرعوية تقريباً.
أما عن غزة، فغادر مئات المسيحيين منها متجهين إلى الضفة عبر معبر بيت حانون «ايريز» لاستقبال البابا، بعدما أصدرت سلطات الاحتلال ضمن إجراء استثنائي تصاريح لقرابة 660 منهم للمغادرة أمس بعد أن سمح لـ 80 آخرين بالذهاب قبلهم بيوم، لكن هذه التصاريح ممنوعة على فئة الشباب الذين تراوح أعمارهم ما بين 16 إلى 35 عاماً. وتتناقص أعداد المسيحيين في المدن الفلسطينية بسبب الإجراءات الإسرائيلية ضدهم، ما يجبرهم على الهجرة خارج البلاد أو الانحسار في مدينتي بيت لحم والقدس المتجاورتين للبقاء قرب الأماكن المرتبطة بالسيد المسيح حتى لا تتحول هذه المزارات إلى ما يشبه الآثار، وإن كان ذلك على حساب الحياة الكريمة، كما يقولون.
ومن إجراءات الاحتلال ضدهم تضييق الفرص الاقتصادية وعرقلة حرية تنقلاتهم، وهو ما يعني وفق البطريرك اللاتيني ميشيل صباح الذي يقطن في الضفة أنهم لا يملكون حرية الدخول إلى الأماكن المقدسة. وأضاف صباح أن عدد المسيحيين في القدس كان 30 ألفاً من بين 90 ألف مواطن عام 1948، «واليوم أصبح عشرة آلاف فقط من بين 800 ألف». حتى في بيت لحم، كان نحو 85% من سكان المدينة من المسيحيين، وانخفضت النسبة اليوم إلى 20%. على المستوى الأمني، ذكر مسؤول فلسطيني أن أكثر من ثلاثة آلاف رجل أمن، من بينهم نساء، سيتولون توفير الحماية للبابا، على أن يتولى التغطية الأمنية جهاز الحرس الرئاسي الفلسطيني الذي يضم وحدات دربها متخصصون فرنسيون قبل أسابيع. وقال المتحدث باسم الجهاز غسان نمر في تصريح صحافي إن هذه القوات ستتوزع على ثلاث حلقات أمنية، تتولى الأولى توفير الحماية لسيارة البابا خلال تنقلها في شوارع بيت لحم، والثانية توفير الحماية على بعد أمتار من الطريق الرئيسي.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب، الأناضول)