لم تكن لافتة في جولة البابا فرنسيس الأول فعاليات الزيارة التي نُشر جدولها بالتفصيل، بقدر الحريق الذي نشب ووُصف بـ«المتعمد» داخل إحدى أكبر الكنائس الكاثوليكية في مدينة القدس المحتلة على جبل صهيون، قبل ختام الزيارة، وفق قول المتحدث باسم كنيسة صياح الديك نيقوديموس شنابل.
قال نيقوديموس، في تصريحات صحافية، إن «أحدهم دخل الكنيسة ونزل إلى القبو واستولى على كتاب يستخدمه الحجاج ثم حمله إلى قاعة صغيرة حيث أضرم النار فيه ما أدى إلى احتراق صلبان خشبية قبل أن يتمكن الرهبان من إخمادها». وجرى ذلك قبيل مغادرة البابا القدس المحتلة، حينما كان يؤدي قداسا في علية صهيون المجاورة للكنيسة. وأضاف الراهب: «لا نعلم من فعل ذلك، لكنه فعل فاعل، وهناك مناخ يثير الاستياء جراء التظاهرات التي رفضت زيارة البابا».
وكانت وقفة البابا لـ4 دقائق أمام جدار الفصل العنصري في مدينة بيت لحم (جنوبي الضفة المحتلة)، الأحد الماضي، قد استفزت الموقف السياسي والإعلامي العبري، فباتت تلك الوقفة عنوان زيارة الرجل التي استمرت 3 أيام، علما أنها كانت خطوة غير مخطط لها في جدول الزيارة.
وبينما استقبل الفلسطينيون البابا بالورود، ودعه الإسرائيليون بإعلانهم إقامة وحدات استيطانية جديدة يرجح أن تضع مزيدا من العراقيل أمام عملية السلام المتعثرة. وكانت بلدية القدس قد قررت أول من أمس بناء 50 وحدة استيطانية في مستوطنة «هارحوما» جنوب المدينة، وعدّته «ردًا على توقف فرنسيس الأول وصلاته عند جدار الفصل في بيت لحم جنوب الضفة».
أما الموقف الفلسطيني، فجاء على لسان المتحدث باسم الرئاسة، نبيل أبو ردينة، في تصريحات صحافية قال فيها إن الاستيطان في الضفة والقدس المحتلتين «رد غير حضاري وغير منطقي ومخالف للأخلاق، بعد توقف البابا للصلاة عند مقطع الجدار الفاصل». وشارك عضو المجلس البلدي من كتلة ميرتس اليسارية الإسرائيلية، يوسيف ألالو، موقف سابقه من هذا القرار، فرأى ألالو أن إنشاء وحدات استيطانية الآن يضر جهود السلام، وخاصة أن حي هار حوما يقع خارج الخط الأخضر (الأراضي المحتلة عام 1948).

يتوجه عباس
وبيريز إلى الفاتيكان
في السادس من حزيران لأداء صلاة
وخلال الزيارة، كرر المسيحيون مناشدة البابا الطلب من إسرائيل تخفيف قيودها على حركتهم إلى مدينة القدس، فرد بكلمات صريحة في القدس المحتلة، بُعيد اجتماعه مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز: «لتكن القدس فعلا مدينة السلام! كم هو جميل أن يتمكن الحجاج والمقيمون هنا من الوصول إلى الأماكن المقدسة بحرية والمشاركة في الاحتفالات».
في الجانب الديني، حملت الزيارة رسالة أخرى بانعقاد لقاء وصف بالتاريخي مع بطريرك القسطنطينيّة المسكوني بارثولوميوس في مقر القاصدة الرسوليّة في البلدة القديمة في القدس، وما تبعه من قداس مشترك في كنيسة القيامة بمناسبة مرور خمسين عاما على اللقاء الذي جمع سلفيهما البابا بولس السادس بالبطريرك أثيناغورس، في كنيسة القيامة.
واقترب البابا إلى حد كبير من المعاناة الفلسطينية بقراره تناول الطعام مع 5 عائلات فلسطينية إحداها مهجرة في قرية غير معترف بها في إسرائيل، وأخرى تشتتها السياسة الإسرائيلية برفض لم شمل العائلات الفلسطينية، وثالثة لها ابن أسير في المعتقلات الإسرائيلية، وأخرى يفصلها جدار الفصل الإسرائيلي عن أرضها، وخامسة أتت من قطاع غزة المحاصر، فيما أفرد للاجئين زيارة خاصة إلى مخيم «الدهيشة» في بيت لحم، حيث التقى أطفالا من مخيمات فلسطينية. وقال البابا، خلال وجوده في بيت لحم، «آن الأوان لإنهاء هذا الوضع الذي لم يعد مقبولا». وأضاف، في عبارة احتوت اعترافا واضحا بدولة فلسطين، «وجودي في فلسطين يشهد على العلاقات الطيبة القائمة بين الكرسي الرسولي ودولة فلسطين».
ولعل الأكثر حساسية من بين المواقع التي زارها الضيف المسيحي، كان المسجد الأقصى وحائط البراق، حيث التقى في المسجد شخصيات فلسطينية على رأسها مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين. أما في حائط البراق، أو ما يسميه اليهود الحائط المبكى، ويسميه المسيحيون الحائط الغربي، فقد التزم البابا الصمت واكتفى بكتابة عبارات وضعها في الجدار، الذي يعد الأقدس لليهود.
ووصفت وسائل إعلام عبرية زيارته إلى جبل «هرتزل» بـ«التاريخية» لكن الموقع الرسمي لزيارة البابا عدها «بروتوكولية»، إذ قال: «زيارة جبل يفرضها البروتوكول الإسرائيلي»، كما زار الرجل متحف «ياد فاشيم»، الذي يخلد ذكر المحرقة، أو ما يعرف بـ«الهولوكوست»، متعهدا «ألا تتكرر هذه الجريمة ثانية».
وفور وصوله إلى روما، أعلن البابا أن الدعوة التي وجهها إلى الرئيسين الإسرائيلي شمعون بيريز والفلسطيني محمود عباس للصلاة من أجل السلام في الفاتيكان «لا ترمي إلى أداء دور الوساطة»، مضيفا: «لقاء الفاتيكان مجرد صلاة من دون إجراء مشاورات، فبعدها يعود كلاهما إلى بلاده».
بدوره، عقّب عباس على زيارة البابا بانه يسعى إلى تثبيت المسيحيين في الأراضي المقدسة، وبناء على هذا ألف اللجنة العليا لشؤون الكنائس في فلسطين. وقال أمس خلال استقباله في رام الله البطريرك بروثولوميوس: «لقد أعطينا اللجنة العليا صلاحيات وهامش تحرك واسع، وأصدرنا مرسوما رئاسيا يعفي الكنائس والأديرة التابعة لها من الجمارك والضرائب»، دون أن يوضح موعد تأليف هذه اللجنة.
من جانبه، شكر المسكوني عباس على دعوته إلى بيت لحم، قائلا: «نصلي معا من أجل وصولكم إلى السلام الذي نقدر سعيكم المتواصل لتحقيقه».
وكان عباس قد وافق على التوجه إلى الفاتيكان في السادس من حزيران المقبل، وفق ما أعلن كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، ثم تبعته موافقة بيريز على الدعوة نفسها.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب، الأناضول)