دمشق | في أرفع زيارة لمسؤول عربي ــــ من معسكر مقاطعة سوريا ــــ إلى دمشق منذ اندلاع الأزمة عام 2011، حطّ عبدالله بن زايد في سوريا، «حاملاً معه دعوة رسمية من رئيس بلاده للرئيس بشار الأسد لزيارة أبو ظبي» بحسب مصادر «الأخبار»، في ما سيُمثّل، إن حدث، أوّل زيارة للأسد إلى دولة عربية منذ بدء الحرب. وإذا كانت خطوة ابن زايد غير مفاجئة، بالنظر إلى أن مسار التطبيع العربي مع الدولة السورية بدأ منذ فترة غير قصيرة من بوّابة الاقتصاد، فإن السؤال يُطرح اليوم حول الخطوة التالية، مع أنه باتت شبه أكيدة عودة سوريا إلى «جامعة الدول العربية» في موعد قريب، ربّما يسبق تاريخ الانعقاد المقبل المرتقب في الجزائر في آذار 2022. إزاء ذلك، تُبدي دمشق تفاؤلاً بالحراك العربي تجاهها، والذي تعتقد أنه «سيتّسع تدريجياً مع ازدياد دخول المستثمرين إلى الساحة الاستثمارية السورية، ونموّ حركة التجارة الخارجية في ضوء التفاهمات والتسهيلات التي يتمّ الاتفاق عليها»، وفق ما يؤكّد وزير الاقتصاد السوري لـ«الأخبار». وعلى رغم أن المسألة الاقتصادية لا تزال هي العنوان الأبرز لذلك الحراك، إلّا أن سوريا لا تمانع أن يكون الاقتصاد مدخلاً للولوج إلى تسويات سياسية، ستكون الأنظار متركّزة في الفترة المقبلة على ما سيبرز على طريقها، خصوصاً لناحية الموقف السعودي الذي لا يزال متشنّجاً نسبياً
وصل وزير خارجية دولة الإمارات عبدالله بن زايد، إلى دمشق، بعد ما يقارب عامين من إعادة افتتاح سفارة بلاده في العاصمة السورية، في أوّل زيارة عربية بهذا المستوى منذ عام 2011، تؤكد مصادر «الأخبار» أنها «لن تكون الأخيرة بهذا الثقل السياسي»، في ظلّ استمرار تحوّل الموقف العربي تجاه سوريا منذ مدّة ليست بالقصيرة. وتأتي هذه الزيارة بعد سلسلة من اللقاءات والاتصالات التي جمعت مسؤولي البلدين، وكان من أهمّها لقاء وزير الطاقة والبنى التحتية الإماراتي سهيل المزروعي، مع وزير النفط السوري بسام طعمة، في العاصمة الروسية موسكو، على هامش انعقاد «المنتدى الدولي لأسبوع الطاقة الروسي» الشهر الماضي، واللقاء الذي جمع وزير الاقتصاد السوري سامر خليل، بنظيره الإماراتي عبدالله بن طوق المري، خلال فعاليات معرض «إكسبو دبي»، وقبلهما الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس السوري بشار الأسد، بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، في العشرين من تشرين الأوّل الفائت.
ومع الإعلان أخيراً عن إعادة تفعيل «مجلس رجال الأعمال السوري الإماراتي»، كانت دمشق تنتظر تسمية أبو ظبي لممثّليها فيه لإطلاق أعماله، بعدما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العام الماضي 2.6 مليار درهم، بحسب ما ذكرته وزارة الاقتصاد الإماراتية في بيان، أعلنت فيه التوصّل إلى اتفاقيات مشتركة بين الوزيرَين المري وخليل. وكثّفت الإمارات، منذ ما يقارب العامين، مساعيها إلى إيجاد موطئ قدم اقتصادية في الساحل الشرقي للمتوسّط، وتحديداً في سوريا. وفي هذا السبيل، جاءت أولى الزيارات ذات الطابع الاقتصادي في كانون الأول 2019، عندما تَوجّه وفد من رجال الأعمال السوريين إلى الإمارات، ثمّ وصل إلى الأراضي السورية وفد مثّل غرف التجارة الإماراتية للمشاركة في أعمال «معرض دمشق الدولي»، صيف العام نفسه.
تُعدّ الزيارة كسراً إماراتياً للعزلة العربية المفروضة على دمشق ومقدّمة لعودتها إلى «الجامعة العربية»


بحسب مصادر متعدّدة، فإن الزيارة تُعدّ «كسراً إماراتياً للعزلة العربية المفروضة على دمشق، ومقدّمة لعودتها إلى جامعة الدول العربية، وقد تحمل في كواليسها مجموعة من الرسائل»، ربّما يكون أهمّها من الولايات المتحدة التي قال رئيسها جو بايدن إنه «لن يعاقب المطبّعين مع دمشق وفقاً لقانون قيصر»، ما يعني أن ابن زايد جاء حاملاً معه، على الأرجح، استثناء بلاده من العقوبات المفروضة على سوريا، وتحديداً «قانون قيصر» الذي فرضته إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، على دمشق. ووفقاً لمعلومات «الأخبار»، فإن الإماراتيين يبحثون عن الاستثمار في السوق السورية في قطاعات البنى التحتية والتطوير العقاري والنقل، إذ كانت شركة «موانئ دبي العالمية» قد عرضت رسمياً قبل نحو عام من الآن رغبتها في استثمار «ميناء اللاذقية». كما تفيد المعلومات برغبة «طيران الإمارات» في العودة إلى المطارات السورية، فيما يُعدّ الاستثمار النفطي في آخر قائمة الأعمال الممكن التشارك فيها بين البلدين، بالنظر إلى أن الإمارات تسعى إلى تنويع اقتصادها، والتخلّص من الاتّكال الكلّي على النفط.
اللافت أن الإماراتيين لم يربطوا مسألة انفتاحهم على سوريا بملفّات سياسية أخرى، إذ لم يسبق أن طرحت أبو ظبي شرط قطع العلاقة بين دمشق وطهران، على سبيل المثال، في أيّ مناسبة سابقة، على النقيض من السعودية. وفي هذا الإطار، تعتقد مصادر في دمشق أن الزيارة «ستكون خطوة أولى في اتّجاه زيارات عربية قادمة، قد تكون المصرية من أهمّها، فيما لن تتأخّر بقيّة المجموعة العربية في الإعلان عن نوايا التقارب مع دمشق، لكن سيبقى الموقف السعودي متشنّجاً نسبياً حتى إشعار أميركي آخر، فيما يرتبط موقف قطر جذرياً بموقف حليفتها تركيا». على أيّ حال، يبدو من مجمل سياق الانفتاح العربي، بدءاً بمبادرة الأردن إلى إطلاق مسار تطبيع العلاقات مع سوريا من بوّابة مشروع «خط الغاز العربي»، مروراً بمجموع اللقاءات التي عقدها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، مع نظرائه العرب على هامش أعمال الدورة الأخيرة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، وصولاً إلى الخطوات الإماراتية الأخيرة، أن العرب لم يعودوا متهيّبين إعلان عودتهم إلى دمشق، اقتصادياً على الأقلّ، فيما لا تجد سوريا حائلاً دون أن يكون الاقتصاد أساساً لإرساء تسويات سياسية تمهّد لإنهاء الحرب، التي فُرضت عليها منذ عام 2011.