في العلن، لا حديث عن أزمة تمر بها العلاقات الأميركية ــــ الإسرائيلية، إلا أن المؤشرات حول حالة من البرودة تعتري هذه العلاقات تتزايد تباعاً. وقد رأى معلقون إسرائيليون أن تجاهل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، التطرق إلى مفاوضات التسوية الإسرائيلية الفلسطينية في خطابه الأخير في كلية «ويست بوينت» قبل أيام هو آخر هذه المؤشرات.
سبقت ذلك تقارير إعلامية تحدثت عن غضب أميركي كبير من موقف الحياد الذي التزمته إسرائيل إزاء الأزمة الأوكرانية، ورفضها إدانة الضم الروسي لشبه جزيرة القرم، ودعم موسكو غير المباشر للحركات الانفصالية شرق أوكرانيا. وما بين هذا وذاك، حضرت التسريبات الإعلامية في وسائل إعلام أميركية عن أنشطة التجسس التي تمارسها إسرائيل في الولايات المتحدة.
في المقابل، لا تبدو تل أبيب متأثرة على نحو خاص بموقف واشنطن من سلوكها السياسي، طالما أنه لم ينعكس سلباً على مستوى المساعدات المالية والعسكرية التي تتلقاها من الخزينة الأميركية، وعلى مستوى الحصانة السياسية التي يؤمنها لها الفيتو الأميركي في المؤسسات الدولية. وعلى هامش العلاقة الآخذة في الالتباس مع الإدارة الأميركية، تمضي تل أبيب قدما في فتح الخطوط على أوسع سعاتها مع عواصم تتوقع أن يكون لها حضور متنامٍ في مستقبل العالم على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. وإذا كانت بكين ونيودلهي أبرز هذه العواصم التي تسعى تل أبيب إلى توثيق علاقاتها الاقتصادية معها، فإن موسكو تتصدر العواصم التي تهتم الدولة العبرية بتعزيز التواصل السياسي معها، لكونها صاحبة نفوذ أساسي في جملة من الملفات الحساسة إسرائيلياً، وفي مقدمتها الملفان السوري والنووي الإيراني. وفي هذا السياق، يمكن فهم إعلان الحكومة الروسية الجمعة عزمها على تأسيس خط أحمر مباشر بين الكرملين ورئاسة الوزراء الإسرائيلية.

توصية أجهزة
الأمن الروسية وراء تأسيس «الخط الأحمر»
فالخطوة تعكس تطوراً بارزا على صعيد تدفئة العلاقات بين موسكو وتل أبيب، وخصوصاً أنها تأتي في أجواء تباعد غربي روسي على خلفية الأزمة الأوكرانية، التي وصلت إلى حدود وصفها بالحرب الباردة، كما يمكن فهم المفاوضات التي تجري هذه الأيام بين ممثلين إسرائيليين وروس حول إبرام اتفاق تجاري، يتوقع أن يرفع حجم التبادلات التجارية بين الجانبين إلى نحو 6 مليارات دولار بحلول عام 2024. ومن المعروف أن استراتيجية «البديل الروسي» كانت عنوان الدبلوماسية التي تبناها وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، خلال الفترة الأولى من تسلمه حقيبة الخارجية قبل سنوات. وفي حينه، سعى ليبرمان، إلى تأسيس علاقات استراتيجية مع موسكو بوصفها قوة عظمى، تكون رديفةً للعلاقات مع الولايات المتحدة. وبرغم أن جهود ليبرمان لم تصل إلى نتائج ملموسة، إلا أنه بقي يرى في روسيا حليفا استراتيجيا محتملا على المدى الأبعد. وبموجب الإعلان الروسي، فإن القرار بشأن تأسيس الخط الهاتفي الأحمر اتخذ في 23 أيار الماضي ووقعه رئيس الحكومة الروسية، ديمتري ميدفيديف، بعد توصية الأجهزة الأمنية الروسية وبالتنسيق مع وزارة الخارجية. وأشار بيان الحكومة الروسية إلى أنها قررت «البدء على الفور بإجراء محادثات مع إسرائيل من أجل تركيب الخط الآمن الذي سيتيح التواصل المباشر والمشفر بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو». وحول دلالات هذا الخط، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس عن، ألكس، تنتسر، وهو خبير إسرائيلي في الشؤون الروسية، قوله إن موسكو ترى في إسرائيل شريكة سر، وترغب في ألا يتدخل الأميركيون في الشؤون الحساسة المتعلقة بالدولتين، وألا يمنعوا إسرائيل من التقرب إلى روسيا. ورأى تنتسر أن «الروس يريدون التحدث مع إسرائيل بدون أن يتنصت أحد، وخصوصا الولايات المتحدة، إليهما». وأشارت «يديعوت» إلى حدوث تقارب أخيرا بين روسيا وإسرائيل في مواضيع أمنية حساسة تتعلق بالشؤون الإقليمية مثل سوريا وإيران.
يشار إلى أن لروسيا خطوطا حمراء مشفرة مع عدة دول، بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا واسبانيا وايطاليا وكوريا الجنوبية. كما أن لإسرائيل خطا أحمر مع الولايات المتحدة.