«الانتخابات السورية مهزلة»، قرّر وزير الخارجية الأميركي جون كيري منذ أسابيع، وتبعه معظم الإعلام الغربي، رافضين بذلك إعطاء السوريين حقهم في الاقتراع، ومصدرين حكماً مسبقاً على العملية برمّتها. مواكبة لتصريح كيري، انطلقت حملة «انتخابات الدم» الالكترونية وصُنّف كل سوري مشارك في الاقتراع كمشارك في إزهاق دم المواطنين. لم يعترض كثيرون على إغلاق «الديموقراطيات الغربية» (الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا) السفارات السورية في وجه المقترعين، وحرمانهم ممارستهم حقّهم. قلّة من الصحافيين نقلت ما يدور فعلياً على ألسنة المواطنين السوريين عشية ممارستهم الاقتراع لأول مرّة منذ أكثر من ٤٠ عاماً.
لماذا تخاف واشنطن وأصدقاؤها من الانتخابات السورية، ولمَ هم مستاؤون من العملية إلى هذا الحدّ؟ سأل ريك ستيرلنغ على موقع «كاونتر بانش» الأميركي. «إن كانت تلك الانتخابات مهزلة فعلياً، فإن غالبية السوريين لن تشارك فيها. وإن كان الاقتراع غير ذي جدوى، فإن نسبة المشاركة ستكون متدنية جداً كما حصل في مصر أخيراً»، يقول ستيرلنغ مستغرباً ردّ فعل بعض حكومات الدول الغربية، وعلى رأسها الخارجية الأميركية. أما حول انتفاء شرعية أي عملية انتخابية في ظلّ «حرب أهلية مستعرة»، كما ردد البعض، فذكّر الصحافي بالانتخابات الأميركية عام ١٨٦٤، التي أجريت خلال الحرب الأهلية وأعادت انتخاب أبراهام لينكولن رئيساً للبلاد وسط معارك دامية. ستيرلينغ يستغرب أيضاً كيف أنّ دعاة الحرب على سوريا في اللوبي الأميركي ــــ السوري، الذين طالبوا واشنطن بقصف سوريا باتوا الآن يأبهون لإراقة الدماء داعين في حملتهم الترويجية إلى مقاطعة «انتخابات الدم».
لكن ماذا عن المواطنين السوريين؟ ماذا يريدون فعلياً؟ وهل هناك أكثر من رأي في الشارع؟ مقالات قليلة تكبّدت عناء سؤال المواطنين من الذين انتخبوا خارج سوريا أو من أهل العاصمة دمشق.
البعض سينتخب الأسد «تمسّكاً الآن بالطرف الأقوى لحين ظهور البديل»

«ناشيونال بابليك راديو» مثلاً اختصر آراء السوريين الذين انتخبوا خارج بلادهم بمواقف بعض لاجئي منطقة عرسال، الذين «لم يشاركوا في انتخابات الدم». لكن مقالاً آخر في مجلة «تايم»، للصحافية آرين بايكر، عرض أفكار بعض مواطني العاصمة دمشق، وأظهر أن هناك تنوّعاً في الآراء، وخصوصاً بين الشباب، إذ، كما يظهر المقال، هناك المؤيّد للنظام، الذي سيشارك في الاقتراع اليوم «لأن الرئيس بشار الأسد هو وحده القادر على الحفاظ على أمن البلاد في المرحلة المقبلة»، والمؤيّد للأسد لكن بحذر، إذ إن «الرئيس حتى لو فاز في الانتخابات فستكون في انتظاره مشاكل كثيرة على كافّة المستويات، فهل سيتمكّن من حلّها؟»، والمقترع للأسد «في غياب أي بديل مقنع»، وآخر «خشية من المعارضة المسلّحة المتطرفة». وفي المقال أيضاً، يقول شاب إنه «سيقترع بورقة بيضاء لأنه معارض للأسد، لكنه أيضاً يرفض تحوّل الثورة الى عنفية تسيطر عليها مجموعات إسلامية». بايكر تظهر أيضاً أن المعارضة السورية ليست متفقة على قرار مقاطعة الانتخابات. فهناك، من يريد أن يشارك «في أي فرصة سياسية سانحة لتحقيق التغيير في المستقبل، وخصوصاً أن البديل المتاح الآن هو إما «القاعدة» أو معارضة الخارج، وكلتاهما سيّئة».
صحيفة
«ذي واشنطن بوست»، من جهتها، نقلت عن مواطن، وصف نفسه بأنه ناطق باسم «الأكثرية الصامتة»، قوله إن البعض سينتخب الأسد «ليس حبّاً بالنظام أو تأييداً له... فالطرفان تلطخت أيديهما بالدماء، لكننا سنتمسّك الآن بالطرف الأقوى لحين ظهور البديل».