لم يحدث في تاريخ بطولة كأس العالم منذ انطلاقها عام 1930 في الأوروغواي، حتى النسخة التي ستبصر النور بعد أيام قليلة في البرازيل، أن أخذت نسخة من كل هذه النسخ، قبل انطلاقها، حيّزاً من الاتهامات والجدل والشكوك كما هو حاصل في المونديال الذي حصلت قطر على حقوق تنظيمه في عام 2022.
في الواقع، إذا ما أردنا أن نحصي العدد الذي ترددت فيه عبارة «مونديال قطر» أو «مونديال 2022» بلغات العالم قاطبة، لاحتجنا الى مجلدات لتعدادها، لكن مورد هذه العبارة كان، في الغالب، لعناوين لا تمّت الى شعار الاتحاد الدولي لكرة القدم «اللعب النظيف» بصلة. ما كُشف من رشى وفساد وصفقات في عشاءات وانتهاكات لحقوق وكرامات البشر (راجع التقرير أدناه) في ما يتعلق باستضافة قطر للمونديال، «يندى له الجبين» لتخطيه كل المعايير والأخلاقيات الرياضية كما الانسانية والخطوط الحمر، وقد جعل من هذه البطولة قضية عالمية كبرى تداخل فيها الرياضي بالسياسي والاقتصادي والاجتماعي والانساني، وشغلت، أو بالأحرى «أوجعت رأس»، ولا تزال، مؤسسات رياضية كبرى وحكومات دول عظمى وصدمت منظمات حقوقية انسانية.
رائحة الفضيحة تزداد يوماً بعد يوم، والحقائق تتكشف توالياً وتقضم أكثر فأكثر مونديال قطر. وحدهم المعنيون بالملف في الامارة الخليجية، ومن «يغطونه» خارجها، لا يزالون يكابرون كأن شيئاً لم يحصل، لا يزالون يتصرفون على أن الثاني من شهر كانون الاول عام 2010 حين وقف أمير قطر السابق، حمد بن خليفة آل ثاني، قبل ان يسلم مقاليد الحكم لنجله تميم والى جانبه زوجته الاميرة موزة، في قاعة المؤتمرات في زيوريخ، وهو يحمل كأس العالم عقب إعلان السويسري جوزف بلاتر، رئيس «الفيفا»، فوز الامارة الخليجية بحقوق الاستضافة، هو «صك البراءة» الذي يستحيل سحبه من بين أيديهم أو التشكيك فيه، حتى لو أن كبرى الصحف العالمية أكدت زيفه، حتى لو أن بلاتر نفسه أقر بأنه سلّمه ليد من يجب ألّّا تتسلمه.
قبل أيام، أثار بلاتر، الرجل الأقوى في عالم كرة القدم، الزوبعة مجدداً، حين أكد أن اختيار قطر لاستضافة المونديال كان خطأ، وذلك في معرض ردّه على سؤال لراديو وتلفزيون «أر تي أس» السويسري حول مدى صوابية تنظيم كأس العالم في عام 2022 في الامارة الخليجية، التي يشهد فصل الصيف فيها ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة، الا أن الأخطر هو أن رئيس «الفيفا» عزا السبب في تصويت اللجنة التنفيذية في الاتحاد الدولي لمصلحة الملف القطري «لضغوط سياسية، وخصوصاً من باريس وبرلين».
تصريح بلاتر سرعان ما استدعى توضيحاً أو لنقل «دفاعاً عن النفس» من قبل وزارة الخارجية الفرنسية، بحيث رأى المتحدث باسمها أن ما قاله السويسري «لا أساس له من الصحة».
نعم، صدقوا ان مونديال قطر دخل أروقة وزارة الخارجية الفرنسية، لكن الامر يصبح غير مفاجئ البتة حين تعود الذاكرة قليلاً الى الوراء: أوَليس قصر الرئاسة الفرنسي «الإليزيه»، في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، طاولته الاتهامات حول «صفقة» منح قطر حقوق الاستضافة في «الاجتماع السري» في 23 تشرين الثاني عام 2010 الذي اوردت تفاصيله صحيفة «فرانس فوتبول»، الرصينة في فرنسا، في ملفها الشهير «قطر غايت» (راجع الأخبار http://www.al-akhbar.com/node/176528)، الذي احدث زلزالاً في العالم (الا في قطر!) عن حصول رشوة لتجيير رئيس الاتحاد الاوروبي لكرة القدم، الفرنسي ميشال بلاتيني، صوته لمصلحة قطر وبمباركة من اميرها تميم بن حمد آل ثاني (كان وقتها ولياً للعهد) وساركوزي؟ هذا فضلاً عن اتهامات برشى قطرية للأعضاء الافارقة في اللجنة التنفيذية في «الفيفا»، وما كشفته قبل فترة قصيرة صحيفة «ذا دايلي تيليغراف» البريطانية عن أن نجل الترينيدادي جاك وارنر، النائب السابق لرئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، تلقى رشوة بقيمة مليوني دولار أميركي من شركة يملكها رئيس الاتحاد الآسيوي السابق الموقوف من «الفيفا» مدى الحياة لفضيحة تلقيه رشوة أخرى في ملف رئاسة الاتحاد الدولي مع وارنر نفسه، القطري محمد بن همام، للتصويت لملف بلاده لاستضافة الحدث العالمي، وأخيراً وليس آخراً ما كشفته الـ «تيليغراف» نفسها قبل ايام، تحت عنوان «وتتوالى الفضائح»، عن قيام قطر بتوفير وظيفة في أحد أكبر المستشفيات في الدوحة لنجل البلجيكي ميشال دهوغ، عضو اللجنة التنفيذية في «الفيفا»، مكافأة لتصويت الأخير لملفها باستضافة المونديال، وللاشارة فإن دهوغ من أشد المدافعين عن الملف القطري، وقد قال قبل فترة إن «إعادة التصويت على مونديال قطر بات ضرباً من ضروب الخيال»!
في حقيقة الامر، أن يخرج رجل كبلاتر وما يمثله لـ «يعرّي» مونديال قطر فهذا يتعدى طبعاً حسابات شخصية للسويسري مع بلاتيني، أحد أبرز «المتهمين» في الملف القطري، في صراعهما المرتقب على رئاسة «الفيفا» في 2015، كما ذهبت اليه بعض التحليلات، اذ يجدر التذكير هنا بأن بلاتر كان في شهر أيلول من عام 2013 قد خرج بتصريح مدو لصحيفة «دي زايت» الألمانية مماثل لتصريحه الأخير، لا بل أقوى، ذكر فيه بأن «ضغوطاً سياسية مباشرة مورست» لمصلحة ملف قطر، وقال بالحرف الواحد: «رؤساء حكومات اوروبية نصحوا ممثليهم بإعطاء صوتهم لقطر»، أي قبل أن يلمّح بلاتيني في الآونة الأخيرة الى نيته الترشح لرئاسة «الفيفا» بعد مونديال 2014. ومن ثم، هل يعقل ان «يخرب» بلاتر العالم ويزج «رأس» حكومات دول كبرى في العلن من اجل ان يبقى جالساً على كرسيه لولاية جديدة؟! وأكثر، فإن النجم الفرنسي السابق إيريك كانتونا شن، قبل أيام، هجوماً عنيفاً على مواطنه بقوله لصحيفة «لو باريزيان» الفرنسية إن بلاتيني تحول «الى سياسي كالآخرين»، منتقداً منح الاخير صوته لمونديال قطر ازاء انتهاكات حقوق الانسان للعمال الأجانب فيها، واختياره اسرائيل لاستضافة كأس أوروبا دون 21 عاماً، علماً هنا ان كانتونا من خصوم بلاتر وقد قال في التصريح ذاته: «ان الاختيار بين بلاتر وبلاتيني لرئاسة الفيفا هو كالاختيار بين الطاعون والكوليرا».
تصريح بلاتر هذا كان قد استدعى وقتها رداً من الحكومة الالمانية برئاسة أنجيلا ميركل، التي قالت المتحدثة باسمها، شتيفن زايبرت، في بيان: «باسم المستشارة يمكنني القول بكل وضوح إنه لم يتم في أي وقت توصية أي عضو ألماني في اللجنة التنفيذية لـلفيفا بأن يمنح صوته لقطر كمقر للمونديل»، علماً هنا أن رئيس الاتحاد الألماني السابق لكرة القدم، وعضو اللجنة التنفيذية في «الفيفا»، ثيو تسفانتسيغر، كان قد وجّه قبلها انتقاداً لاذعاً لمنح قطر حق الاستضافة، ملمحاً الى عوامل اخرى غير الرياضة أسهمت في فوزها، قائلاً: «لقد جرى تحريف المتطلبات الاساسية للبلد المضيف. لم افهم ابداً كيف يمكن ان تُمنح هذه الدولة الصغيرة حق استضافة أهم حدث كروي في العالم، وخصوصاً أن قطر كانت الأخيرة على لائحة الانطلاق قبل اتخاذ القرار».
هذه التطورات المتلاحقة دفعت عدداً من نواب البرلمان البريطاني، في آذار الماضي، الى المطالبة بتحقيق جدي في قضايا الرشى والفساد في ما يتعلق بملف قطر لاستضافة المونديال وصولاً الى تجريد الامارة الخليجية من حقوق الاستضافة، بحسب ما اوردت صحيفة «ذا دايلي تيليغراف».
اما صحيفة «ذا دايلي مايل»، فقد خرجت في الشهر عينه بتقرير تحت عنوان: «الدليل على ان الفيفا منح كأس العالم لرعاة الارهاب»، حيث استعرض فيه الكاتب مارتن صامويل علاقات قطر بجماعات إسلامية متطرفة في المنطقة كدعمها «جبهة النصرة» في سوريا، واحتضانها الشيخ المتطرف يوسف القرضاوي الممنوع من دخول العديد من البلدان، مشيراً إلى أن «الفيفا» لو كان يملك بيده جرس الإنذار لأطلقه، ومتسائلاً كيف سينظم كأس العالم في بلد مثل قطر.

«ذا دايلي مايل»:
الفيفا منح كأس
العالم لرعاة الارهاب

بطبيعة الحال، يبدو خروج مونديال قطر من الاطار الرياضي، المفترض أن يكون محصوراً فيه، الى السياسي، هو اللافت والمريب قبل اي شيء آخر. هذا الامر كان متوقعاً وتحديداً لنقطة مهمة وهي ان الامارة البترولية لم تسع، في الاصل، للمونديال طمعاً بفوائد اقتصادية، كما تبحث فيه كثير من الدول، او نتيجة لريادتها الكروية والرياضية التي تستلزم أن تنظم البطولة، اذ ما هو واضح ان هذا الحدث العالمي سعت اليه قطر منذ البداية وبكل ما أوتيت من قوة (مال طبعاً) طمعاً لاستثماره، الى ابعد الحدود، كواجهة براقة وورقة في غاية الاهمية تعكس عبره الحجم الكبير، الذي وصلت اليه الدوحة كـ «عاصمة للقرار» على المستويين الخليجي والشرق أوسطي، تزامناً مع اتساع رقعة أدوارها السياسية على أكثر من صعيد، هذه الادوار التي بدأت بالصعود بالتوازي مع طرح فكرة التقدم بملف لاستضافة كأس العالم، وما تعنيه هذه البطولة من ريادة للبلد الذي يحظى بشرف تنظيمها. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا يمكن ان تقدم دولة تبلغ مساحتها 11,571 كلم2، وعدد سكانها حوالى مليوني نسمة، من «اوراق اعتماد» لاستضافة حدث عالمي ضخم كالمونديال؟ الجواب هو: إغراءات مالية وصفقات «من تحت الطاولة»، كما كشفت التقارير السالفة. هذا الامر يتعزز أكثر لنقطة مهمة، وهي إشكالية توقيت اقامة المونديال في لهيب صيف الامارة، الذي يستحيل خلاله تنظيم البطولة مهما كانت الوعود القطرية بتكنولوجيا التبريد الذي سيُعتمد، كما بات متفقاً عليه من الاتحادين الدولي والاوروبي لكرة القدم، في مقابل معارضة الاتحادات الاوروبية الوطنية الشديدة لاقامته في الشتاء لتعارضه مع توقيت البطولات المحلية والمسابقات القارية، حيث كان رئيس رابطة الدوري الانكليزي، ريتشارد سكودامور، واضحاً في هذا الشأن كما نقلت عنه صحيفة «لو موند» الفرنسية قوله: «يجب أن يغيروا مكان الاقامة إذا لم يستطيعوا اقامته في الصيف»، وكذلك لتزامنه مع الالعاب الاولمبية الشتوية وللخسائر المالية الضخمة، التي سيسببها لحقوق النقل التلفزيوني تحديداً في الولايات المتحدة، حيث سيتزامن توقيته (في حال اقامته شتاءً) مع دوري كرة القدم الاميركي الذي تبثه قناة «فوكس»، التي اشترت حقوق بث مونديالي 2018 و2022 في اميركا مقابل 425 مليون دولار. وهنا سؤال منطقي آخر يطرح نفسه: ألم يكن يعلم كل من صوّت لملف قطر أن هذه النقطة (التوقيت) ستسبب إشكالية كبرى؟ وهذا ما يثير الشكوك أكثر، طبعاً، حتى قبل ما كشفته الصحف من فضائح، بأن صفقات خفية حيكت في ليل دامس السواد في اكثر من بقعة في العالم لتجيير المونديال لقطر.
انطلاقاً من كل ما تقدم يمكن اختصار مشهد مونديال قطر، المتشعب بدرجة مهولة، بالتالي: ثمة تجاذب كبير حاصل حالياً بين الامارة البترولية المدعومة والمستندة الى مصالح دول كبرى، وتحديداً في أوروبا، حصلت شركاتها على امتيازات في انشاءات البنى التحتية لكأس العالم 2022، وتحظى باستثمارات اقتصادية قطرية ضخمة على اراضيها تصل، على سبيل المثال، الى 65 مليار دولار في فرنسا وألمانيا وانكلترا وحدها (بحسب تقرير لصحيفة الشرق القطرية)، تخرج حكوماتها وممثلوها في «الفيفا» و«اليويفا» في كل مرة لـ «لفلفة» أي فضيحة تُثار في ملف مونديال قطر لإبقائه، قدر المستطاع، «على قيد الحياة» ولـ «حماية رؤوس»، وبين رأي عام عالمي، في اوروبا على وجه الخصوص، انكشفت أمامه الحقائق من رشى وفساد وصفقات، وتحديداً تعديات فاضحة على حقوق الانسان أحرجت كثيرين وأجبرتهم على الخروج عن صمتهم (بلاتر مثالاً ساطعاً)، وبات شعاره واحداً وواضحاً ولا لبس فيه: لا للمونديال الفضيحة والعار في قطر.




سحب تنظيم كأس العالم من قطر سيؤثر في اقتصادها

النمو الاقتصادي السريع الذي تشهده قطر، قد يتباطأ إن فقدت الحق في استضافة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022، غير أن هذه الدولة الصغيرة المساحة من الغنى بحيث أن الأثر على اقتصادها وأسواقها المالية سيكون أقل كثيراً من أثر الضربة المعنوية. ومن الممكن التخلي عن خطط إنفاق مليارات الدولارات على بناء ملاعب، إن أدت تلك المزاعم في النهاية إلى عدول الفيفا عن قرار إقامة مباريات الكأس في قطر، التي يقطنها 2.1 مليون نسمة، ولا حاجة لها لبناء هذه الملاعب، إن كان الأمر يتعلق بسكانها وحسب. كما أن وتيرة إنشاء البنية التحتية المتصلة بهذه الملاعب قد تهدأ، بل وقد تتوقف تماماً وربما تجمّد الشركات العقارية مشروعات فنادق تضم آلاف الغرف الفندقية، كما سيضيع على قطر الدخل السياحي الإضافي المتوقع خلال إقامة المباريات وبعدها.
(الأخبار)






القرار النهائي بعد ستة أسابيع

أعلنت غرفة التحقيق التابعة للجنة القيم بالاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، أنه سيتم بحلول التاسع من الشهر الجاري الانتهاء من التحقيقات الجارية بشأن وقوع «مخالفات مفترضة»، على صعيد اختيار روسيا وقطر لاستضافة بطولتي كأس العالم لعامي ألفين وثمانية عشر وألفين واثنين وعشرين.
وقال بيان أصدرته الغرفة أول من أمس، إنه سيتم رفع تقرير في هذا الخصوص في غضون ستة أسابيع من انتهاء التحقيقات.
وأشار البيان الموقع باسمَي رئيس غرفة التحقيقات مايكل غارسيا ونائبه كورنيل بوربلي، إلى أن التقرير سيتضمن كل القرائن والأدلة المتعلقة بعملية التقدم لاستضافة المونديال.
وجاء البيان بالتزامن مع اجتماع مقرر بين غارسيا وممثلين عن اللجنة المنظمة لكأس العالم في قطر، في ظل تصاعد المطالب بسحب تنظيم البطولة من الدولة الخليجية.
(الأخبار)