يزداد حجم الضغوط المالية على العراق، ومعه تكبر دائرة القلق لدى العراقيين جراء الأزمة الاقتصادية التي بدأت منذ أشهر، ويتوقع أن تستمر إلى ما بعد العام الحالي، الأمر الذي يترك العراقيين لأول مرة في مواجهة خوف جديد نابع من ملف غير الأمن، وخصوصاً في ظل تراجع أسعار النفط العالمية، بالتزامن مع التكاليف الباهظة للحرب على تنظيم "داعش"، ما تسبب باضطرابات مالية كبيرة عادت بنتائجها على سياسات الحكومة العراقية. وتقدر قيمة إيرادات الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية 2016 مبلغ 81 ترليون دينار، بالاعتماد على احتساب معدل سعر تصدير النفط بسعر 45 دولاراً للبرميل الواحد، وبمعدل تصدير قدره 3 ملايين برميل يومياً، فيما بلغ إجمالي العجز 24 ترليون دينار، لكن سعر برميل النفط الحالي 30 دولاراً، وهو ما يزيد نسبة العجز التي وردت في الموازنة بنسبة 30 في المئة.
حالة الخوف تسيطر على الشارع العراقي لعدم اطمئنانه إلى سياسات الحكومة

المستشار الاقتصادي السابق لوزارة التخطيط سعيد العميري أشار إلى ان النفط، الذي يعد المصدر الوحيد للاقتصاد العراقي، بات يتلقى صدمات عنيفة هوت بأسعاره إلى مستويات أثارت الهلع والخوف في الشارع العراقي. وفي حديث لـ"الأخبار" لفت إلى أن "الأزمة الاقتصادية والمالية في العراق هي الأشرس في تاريخه"، مؤكداً أن "الأرقام والبيانات الاقتصادية مرعبة، وتثير تساؤلات ملحة بشأن مدى قدرة هذا البلد النفطي على الصمود".
وأوضح العميري أنه "رغم التحذيرات المتكررة من الخبراء والاقتصاديين من الاعتماد على النفط كمصدر اقتصادي وحيد للبلاد، إلا أن غياب الرؤية المستقبلية والانشغال بالشأن السياسي والأمني، حال دون الالتفات لهذه التحذيرات".
بدوره، عزا الخبير الاقتصادي علي الفريجي حالة الخوف، التي تسيطر على الشارع العراقي، إلى عدم اطمئنانه إلى سياسات الحكومة. وشدد الفريجي، في حديث لـ"الأخبار"، على أن المواطن في العراق لو توجه له السؤال، فإنه غير متأكد من أن ثمة من يمكنه في الحكومة مواجهة الأزمة الاقتصادية بتدابير ناجعة، تلافياً لمزيد من التصدع في الحياة اليومية. وأشار إلى أن وزارة المالية، بدلاً من أن تذهب إلى طمأنة الشارع، تذهب إلى إثارة الهلع والحديث عن أن القدرة المالية قد لا تكفي لدفع رواتب الموظفين.
وفي هذا الإطار أتت مطالبة المرجع الديني السيد علي السيستاني المسؤولين الحكوميين العراقيين بالعمل لوقف تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، لمنع "انهيار الأوضاع المعيشية" للعراقيين. وقال ممثل السيستاني أحمد الصافي، الذي تلا الخطبة في كربلاء: "اليوم يعاني العراق مشاكل حقيقية وتحديات كبيرة، بالإضافة إلى التحدي الأكبر المتمثل في محاربة الإرهاب الداعشي والتحديات الأمنية الأخرى". وأضاف أن "هناك التحدي الاقتصادي والمالي الذي يهدد بانهيار الأوضاع المعيشية للمواطنين نتيجة لانخفاض أسعار النفط في الآونة الأخيرة، وغياب الخطط الاقتصادية المناسبة وعدم مكافحة الفساد".
وتشير تقارير متخصصة إلى أن القوة الشرائية تراجعت، كثيراً، مع بدء العام الحالي، فيما تزعزع الاعتقاد السائد في العراق بأن الوظيفة الحكومية هي أكثر الوظائف المضمونة بعد عام 2003 وسط تقلبات اقتصادية وعدم وجود قوانين ضامنة للقطاع الخاص. فقد لاحت تحذيرات كثيرة من أن قطاع موظفي الدولة يواجه خطر التقليص وعدم القدرة على دفع الرواتب، وهو ما يفسر حالة القلق التي تسيطر على الشارع.
إلا أن عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي جبار العبادي أشار إلى ان "الحكومة أكدت أن رواتب الموظفين خط أحمر ولا يمكن المساس به". وقال لـ"الأخبار" إن "وزير المالية هوشيار زيباري عندما تحدث عن رواتب الموظفين، كان يعمد إلى التحذير من أن عدم مواجهة أزمة أسعار النفط يعني عدم قدرة الحكومة على دفع الرواتب، وبالتالي الحث على مواجهة الأزمة"، مشيراً إلى أنه "صحّح ما نقل عنه وأكد إمكانية الإيفاء بالرواتب، حال اتخاذ إجراءات من شأنها مواجهة الانخفاض المستمر بأسعار النفط".
وعن الحديث الدائر بشأن لجوء الحكومة إلى احتياطي المصرف المركزي لسداد الرواتب، أوضح النائب العبادي أن "قانون المصرف لا يسمح للحكومة بالاقتراب من خزينته، من دون قرار من مجلس النواب وهذا غير متاح حالياً".
وكان زيباري قد أشار في وقت سابق إلى أن الحكومة قد لا تتمكن من دفع رواتب الموظفين، بحلول نيسان، بسبب استمرار الأزمة المالية، لكن المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء نفى ذلك بشدة.