صنعاء | انسحبت الميليشيات المدعومة إماراتياً من جنوب مدينة الحديدة ومناطق واسعة في الساحل الغربي الشهر الفائت، وواصلت انسحابها من الجبهات كافّة في مديرية حيس خلال الأيام الماضية. لكن حتى اليوم، لا تزال عشرات الجزر المأهولة وغير المأهولة الواقعة بالقرب من مضيق باب المندب، تحت سيطرة قوات خفر السواحل الموالية للإمارات، وهو ما يعكس تمسّك أبو ظبي، ومعها تل أبيب، بالبقاء في هذه المنطقة، وإدامة سيطرتهما على الممرّ الملاحي الدولي والمضيق الاستراتيجي، وهو الأمر الذي ترفضه صنعاء، التي تفرض سيطرتها على جزر قطاع كمران التي تضمّ 17 جزيرة غير مأهولة من إجمالي 152 جزيرة واقعة في قطاع البحر الأحمر والساحل الغربي للبلاد. صنعاء، التي تجنّبت الخوض في مواجهات بحرية خلال السنوات الماضية لانشغالها بالمواجهات البرّية من جانب، وعكوفها على تعزيز قدرات قوّاتها البحرية ورفْعها إلى أعلى المستويات وفقاً لمصادر عسكرية من جانب آخر، توعّدت بـ«تحرير كلّ شبر من أراضيها واستهداف أيّ قوات غازية في البرّ والبحر»، فيما لا يستبعد مراقبون لجوءها، مستقبلاً، إلى تنفيذ عمليات بحرية مباغتة، تستهدف إنهاء الهيمنة الإماراتية على جزر البحر الأحمر، وتحديداً تلك الواقعة في قطاع حنيش وزقر، والمطلّة على مضيق باب المندب.
خارطة الجزر
من إجمالي 186 جزيرة كائنة في المياه المحلية والإقليمية اليمنية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، ثمّة 152 تقع في أربعة قطاعات بحرية في البحر الأحمر وباب المندب - هذه القطاعات هي ميدي واللحية وكمران وحنيش وزقر -، و21 في خليج عدن، و11 في البحر العربي والمحيط الهندي. يعني ذلك أن ما نسبته 30% فقط من الجزر يقع تحت سيطرة القوى اليمنية المختلفة، فيما البقيّة الغالبة تخضع للسيطرة الإماراتية المباشرة وغير المباشرة. ووفقاً لمصادر «الأخبار»، فإن قوات خفر السواحل، التابعة لميليشيات طارق صالح (نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح)، الموالية للإمارات، تسلّمت، أواخر تموز 2017، مهامّ القيام بدوريات بحرية بين الجزر الواقعة على الساحل الغربي، من الجانب الإماراتي الذي لا يزال يتواجد في أعلى مرتفعات جزيرة حنيش الكبرى. وتتولّى هذه القوات حماية الجزر الاستراتيجية الممتدّة من حنيش الكبرى والصغرى وزقر والزبير وميون - المشرفة على حركة التجارة الدولية -، إلى سواحل رأس العارة ورأس عمران بالقرب من مدينة عدن. وتفيد المصادر نفسها بأن «ميليشيات موالية للإمارات تسيطر أيضاً على جزيرة بريم في سواحل حضرموت الشرقية، والتي تُعدّ بوّابة البحر الأحمر إلى البحر المتوسّط وبوّابته إلى خليج عدن والمحيط الهندي والعالم». ولا تستثني السيطرة الإماراتية جزيرتَي سقطرى وعبد الكوري، التي تستحدث فيهما أبو ظبي منذ أسابيع أبراج مراقبة بحرية في ظلّ صمت حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي.

أطماع إماراتية
يوضح ضابط متقاعد في البحرية اليمنية، في حديث إلى «الأخبار»، أن جزيرة حنيش الكبرى الواقعة شمال مضيق باب المندب، تحتلّ مكانة استراتيجية كونها تقع بالقرب من خطوط الملاحة في جنوب البحر الأحمر وتتحكّم بها، مضيفاً أن «التمسّك الإماراتي بالجزيرة يأتي بضوء أخضر أميركي وإسرائيلي، كونها تقع على الممرَّين الدوليَّين الآسيوي والأفريقي». ويلفت إلى أن «جزر الساحل الغربي المطلّة على الممرّ الملاحي الدولي، متقاربة نوعاً ما، وتتّصل جميعها بجزيرة ميون المطلّة على المضيق، والتي استَحدثت فيها الإمارات مطلع العام الجاري مطاراً عسكرياً ومدرجاً لطائرات شحن عسكرية، وذلك في إطار تحويلها إلى قاعدة عسكرية مشتركة أميركية - إسرائيلية - إماراتية». ويكشف الضابط المتقاعد عن «تواجد أميركي - فرنسي في الممرّ الملاحي الواقع بالقرب من جزيرة ميون»، مبيّناً أن هذا «الممرّ، الذي يَعبره خطّ التجارة العالمي، يقع على بعد 7 أميال من جزيرة ميون، وتتواجد فيه قطع بحرية معادية تتّخذ من حماية خطوط الملاحة ذريعة لتواجدها في المياه الدولية في باب المندب».
لا يُستبعد لجوء صنعاء مستقبلاً إلى تنفيذ عمليات مباغتة تستهدف إنهاء الهيمنة الإماراتية على جزر البحر الأحمر


كذلك، يؤكد المصدر استمرار سيطرة الميليشيات الموالية للإمارات على مديريتَي الخوخة والمخا، ومنطقة العمري التي تضمّ قاعدة عسكرية إماراتية تمّ إعدادها خلال السنوات الماضية بمساعدة أميركية، في إطار مشروع «حماية باب المندب»، معتبراً أن بقاء تلك الميليشيات في كلّ المناطق البرّية المطلّة على المضيق، وأيضاً في جزر حنيش وزقر والزبير وميون، «يشير إلى وجود مخطّط دولي لإخضاع باب المندب لوصاية دولية، إن لم يكن احتلالاً دائماً تقوده الإمارات منذ مطلع عام 2016». ويشير المصدر إلى أن «ميليشيات موالية لأبو ظبي تسيطر على موقع جبل النصر الاستراتيجي في مديرية كهبوب، وهو جبل مطلّ على باب المندب ويمنح مَن يسيطر عليه السيطرة النارية على حركة الملاحة الدولية وجزيرة ميون الاستراتيجية». وإذ لا يَستبعد أن «تتصادم مصالح الدول الكبرى في المضيق خلال السنوات القادمة، في حال استمرار السيطرة الإماراتية على الجزر والمناطق المطلّة على المضيق، خصوصاً في ظلّ احتدام الصراع البحري بين أميركا وكلّ من الصين وروسيا»، فهو يُذكّر بأن موسكو طلبت حضور قائد القوات المشتركة في الساحل الغربي، العام الماضي، إليها، للوقوف على حقيقة التَحرّك الإماراتي في باب المندب، منبّهاً إلى أن «المؤامرة التي تعمل على تنفيذها الإمارات ستنعكس سلباً على الأمن القومي العربي». كما يُذكّر بأن «الرئيس الراحل، إبراهيم الحمدي، هيّأ كلّ الجبال الممتدّة من منطقة غريرة، وصولاً إلى مديرية كهبوب في باب المندب، كحاميات عسكرية في سبعينيات القرن الماضي، رافضاً أيّ وصاية دولية على المضيق».

مافيا التهريب
في ظلّ السيطرة الإماراتية على جزر جنوب البحر الأحمر وباب المندب، انتعش التهريب الدولي، ووصل إلى أعلى مستوياته خلال السنوات الماضية. وفي هذا الإطار، تؤكد مصادر محلية في الساحل الغربي، لـ«الأخبار»، تنامي ظاهرة التهريب البحري للممنوعات في السواحل الغربية الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الموالية للإمارات، من الخوخة غرب مدينة المخا وحتى رأس العارة والصبيحة في محافظة لحج، لافتة إلى «انتعاش حركة التهريب البحري للمبيدات الزراعية الفتّاكة والمخدّرات وتهريب البشر من دول القرن الأفريقي في سواحل رأس العارة، بالتعاون مع قوات خفر السواحل الموالية للإمارات».