القاهرة | لا تمثل طريقة تعامل الرئيس عبد الفتاح السيسي مع الإخوان اليوم قضية بحث، رغم دعوات إلى المصالحة بين الطرفين أطلقها «أصدقاء مصر». المشكلة الكبرى تبرز في بوادر الصدام بين سلفية الإسكندرية (حزب النور) والنظام الذي سارت في ركبه دون التيارات الإسلامية. الصدام بذوره قرارات صدرت بحصر حق الخطابة والوعظ بمنتسبي الأزهر ومعاقبة المخالفين.
أيضاً أثار توجيه الدعوة إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني لحضور مراسم تسلم السيسي مقاليد الحكم حساسية شديدة لدى السلفيين الذين لا يخفون عداءهم «لإيران».
على الطرف الأكبر، تنامت دعوات المصالحة مع الجماعة المحظورة في الأيام الماضية داخل معسكر السيسي. لكن المواجهة العنيفة بين الطرفين مستمرة مع مظاهرات شبه يومية، إضافة إلى العمليات المتفرقة ضد الجيش والشرطة. إن نفت الإخوان مسؤوليتها عمّا سبق، فإن أقل اتهام لها هو توفير الغطاء السياسي لها. هي لا تنكر أنها لا تزال تخوض مواجهة مفتوحة ضد النظام.
أقوى إشارات المصالحة الآتية من المحيطين بالرئيس الجديد كانت عقب الانتخابات وقادها المستشار السياسي لحملة السيسي عمرو موسى. قال موسى إن من حق الإخوان المشاركة في الانتخابات البرلمانية، «كما كان حقهم في الرئاسية التي لم يمنعهم أحد من المشاركة فيها». وأفصح موسى عن شروط المصالحة مع الدولة، وأهمها «الاعتراف بشرعية النظام الحالي واستحقاقات ما بعد 3 يوليو»، أي الدستور والرئيس.


أزعج السلفيين حصرُ الخطابة بالأزهر ودعوة روحاني إلى القاهرة

عربياً، جاءت أقوى إشارات التصالح وأهمها على الإطلاق من الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز في خطاب تهنئته السيسي. عبدالله دعا الأخير إلى «تقبّل الرأي الآخر مهما كان توجهه، وفق حوار وطني مع كل فئة لم تلوّث يدها بسفك دماء الأبرياء، وترهيب الآمنين». هذا قول الرياض التي هي من أكبر الداعمين للنظام الجديد.
في هذا السياق، يرى مدير مركز ابن خلدون للدراسات الاجتماعية سعد الدين إبراهيم أن دعوة المصالحة مناسبة في هذه الظروف. لكن إبراهيم طلب في حديث إلى «الأخبار» العفو عن الرئيسين حسني مبارك ومحمد مرسي «من أجل التفرغ لاستحقاقات المستقبل وبناء الوطن». مع ذلك، لا يبدو الإخوان على قلب رجل واحد في موقفهم من المصالحة. من يصنّفون على أنهم محافظون، يرون في المصالحة نهاية التنظيم وانفراط عقده قولاً واحداً، فضلاً عن أن الجماعة تستفيد من التصعيد في المواجهة مع الدولة. التصعيد يبقي الصفوف والقواعد في حالة استنفار دائم وتأهب لما هو قادم. من جانب آخر، فإن المواجهة تؤجل أي مطالبات داخلية بضرورة محاسبة القيادة عن أخطاء المرحلة الماضية، ومعرفة كيف انتهت الإخوان إلى ما انتهت إليه بعد أن حكمت مصر سنة كاملة.
هذا لا ينفي وجود قيادات أخرى تجنح إلى التصالح مع النظام والتخلص من عبء «التحالف الوطني لدعم الشرعية» ومطالبه المتشددة سياسياً على ضوء غياب ظهير سياسي. عرفت مناورات هذه القيادات فيما ظهر إعلامياً باسم «وثيقة بروكسل» و«بيان القاهرة» الذي أعلن مطالب سياسية يمكن التفاوض عليها بعيداً عن السقف المرتفع. كذلك برزت شخصيات أخرى تتوافق في الموقف السياسي مع خط الجماعة، كالسفير إبراهيم يسري الذي طرح مبادرة للمصالحة الوطنية تقضي بوقف الإخوان تظاهراتها، مقابل إعادة دمجها في الحياة السياسية مرة أخرى، «والإفراج عن مرسي وآخرين، والسماح بدخول الجماعة في الانتخابات البرلمانية والحصول على مقاعد في الحكومة».
الباحث في مركز سيتا للدراسات السياسية والاستراتيجية، مصطفى زهران، لفت إلى أنه من المتوقع أن يذهب السيسي إلى نقطة التقاء مع الإخوان وأنصارهم من التيارات الأخرى حتى تتوقف الاحتجاجات في الشوارع. ويوضح لـ«الأخبار» أن تردي الأوضاع الاقتصادية يكسب الجماعة زخماً في احتجاجاتها ضد النظام، «وهو ما تخشاه السلطات، لأنه يوفر المناخ المفرخ للجماعات المتشددة». حديث الباحث في مركز سيتا لا ينفي أن الجماعة تعاني حالياً مآزق متعددة، في ظل وجود أكثر من رأس لها وتوزع قراراتها بين قيادات عديدة في الداخل والخارج والسجون، ما يصعّب حسم موقفها النهائي من المصالحة الوطنية. كما يستمر غضب شباب الإخوان الذين يتولون عملياً قيادة التظاهرات ويرفضون أي مصالحة.
هنا، يعتقد الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، كمال حبيب، أن استيعاب الأطراف المختلفة مع السيسي ضرورة المرحلة، «فالرسالة التي أرسلتها الانتخابات الماضية بعد مقاطعة 53% من الناخبين إشارة احتجاج قوية تعلن الرفض لكل ما هو قائم، ما يجبر الرئيس على جسر الهوة وإعادة العلاقة بين القوى الثورية والجماعات الإسلامية والشباب». وأضاف حبيب لـ«الأخبار» أن الطرفين يبحثان عن مصالحة، «فالسيسي لن يستطيع أن يحكم بلداً أعرج، والجماعة بطبيعة الحال لن تتحمل الفاتورة المرتفعة للصدام».
حديث المصالحة مع الإخوان يقابله على الطرف الآخر تنمّر من النظام ضد مدرسة الدعوة السلفية. فوفق الباحث السياسي في جامعة الأزهر محمد محسن أبو النور، فإن النظام حتى الآن يستخدم حزب النور في كل مناسبة كمظلة دينية راديكالية لها وجودها الرمزي في الشارع المصري، «لكن من المؤكد أن دولة السيسي ستصطدم بهم عاجلاً أو آجلاً بعد أن تهدأ حدة تظاهرات الإخوان»، متابعاً لـ«الأخبار»: «بعد ذلك سيبدأ سيناريو شيطنة السلفيين في الإعلام تمهيداً لضربهم»، وهي لحظة رآها أبو النور حتمية، «لأنهم لم يعودوا يمثلون السلفية عقب انفضاض أتباعهم عنهم أخيراً».