توجت المصالحة بين «فتح» و«حماس» بتأليف حكومة توافق مؤقتة، لكن هذا لم يمنع رئيس السلطة محمود عباس من إعلان مواقف «استفزت» قادة الأخيرة، خلال زيارة إلى مصر استمرت يومين. الغريب أن تهنئة عباس نظيره عبد الفتاح السيسي لم تكن هي عنوان الجدال الحمساوي ـ الفتحاوي الجديد، مع أن المشير أصبح العدو الأول في الأبجدية الحمساوية.
ظهر عباس كطبيب يعطي وصفات العلاج لأزمات المنطقة، فهو أكد أن «ما حدث في 30 يونيو أنقذ المنطقة من الفوضى، بعدما كانت الإمارات الدينية الصغيرة عنوان انقسام»، وليست غزة بعيدة عن توصيفه الذي استخدم سابقا. وقال، في مقابلة تلفزيونية أول من أمس، «كل العرب دافعوا عن أنفسهم عندما أيدوا إزاحة الإخوان عن الحكم»، كما أشار إلى أنّ السوريين أخطأوا عندما جعلوا بلدهم ميدانًا للصراعات الدولية، مبينًا أّنه طلب من الفلسطينيين هناك الوقوف على الحياد.
هكذا يرسم رئيس السلطة تصوره لما يجب أن تكون عليه السياسة الفلسطينية بشأن التعامل مع الإقليم بعد «الربيع العربي». أما عن الداخل، فعاد ليشدد على أنّه ليس لدى منظمة التحرير سوى المقاومة السلمية ضد ما يحدث من اعتداءات إسرائيلية. وكشف عباس عن أنه اتفق مع «حماس» على أن المفاوضات مع إسرائيل ملك للمنظمة فقط، مستطردا: «بعد حكومة التكنوقراط سنؤلف حكومة توافق لا وحدة، وستلتزم هذه الحكومة سياستي التي أرسمها، كأن تعترف بإسرائيل وتنبذ العنف وتقبل المفاوضات والتنسيق الأمني... بمنتهى الصراحة هذه هي الحكومة. وهم قبلوا هذا». عن غزة قال: «لن تكون هناك مقاومة في غزة، وسيكون الحرس الرئاسي على جميع معابر القطاع وحدوده... عندئذ سيكون هناك مصالحة، وإلا فلا».

قارب تسليم
المقارّ بين الحكومة الجديدة والمقالة
على الانتهاء

بغض النظر عن قبول «حماس» حديث «أبو مازن» أو نفي جزء منه، فإن السيناريو المرسوم في أسوأ أحواله بعد تأليف حكومة التوافق وخروج الحركة بإرادتها من إدارة غزة، يعني أن أي عودة إلى السيطرة على مقاليد الحكم حتى دون معارك أمنية، سيعطي الرئيس إمكانية إعلان القطاع إقليما متمردا، ولن تتأخر دول العالم عن الاعتراف بهذا الواقع في حال حدوثه كما سارعت إلى الاعتراف بالحكومة الجديدة. وما يثير المخاوف تزامن حديث عباس مع مطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، بـ«التسريع في نزع سلاح المقاومة في غزة استمرارًا لتعهده نزع سلاحها في الضفة».
لم تصدر عن «حماس» تعليقات رسمية على ما قاله عباس سوى انتقادها تكريمه رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات، الباحث المصري محمد حمزة، المعروف بسمير غطاس، ومنحه وسامًا تقديريا. وقال المتحدث باسم الحركة سامي أبو زهري: «حماس ترفض منح غطاس وسامًا لأنه من غير المقبول مكافأة أحد المحرضين على الشعب والمقاومة».
بالتوازي مع ذلك كله، عادت حفلة جديدة من التراشق الإعلامي بين «فتح» و«حماس»، إذ يرى الفتحاويون أن على «حماس» الاستمرار في دفع ضريبة حكمها السابق في قطاع غزة. ويعلق عدد من المسؤولين في «فتح» بالقول إنه لا يمكن وضع 50 ألف موظف كانوا في الحكومة المقالة على الأجندة المالية لحكومة التوافق دفعة واحدة. ولا تزال «حماس» لليوم الخامس على التوالي توقف عمل البنوك في غزة بصورة غير رسمية، مع إشارتها إلى أن وجود شرطتها هناك يأتي لحماية موظفي البنوك من غضب «موظفيها الذين لم يتقاضوا رواتبهم». يضاف إلى ذلك اقتحام عناصر تابعين لـ«رام الله» جرى تفريغهم عام 2005 مقر قيادي في «فتح»، أمس، اعتراضًا على استمرار توقف رواتبهم برغم تأليف حكومة جديدة. هذا نقل الانقسام السابق من المستوى السياسي إلى الطبقة الاجتماعية الهشة اقتصاديا في غزة. فبدأ انقسام من نوع آخر بين موظفين لم يتقاضوا رواتبهم وآخرين ممنوعون من تسلّم الرواتب.
برغم الصوت الفتحاوي العالي، لم تكن ردود قادة «حماس» عبر الإعلام بالمستوى نفسه، واقتصرت على التذكير بأن حركتهم غادرت الحكم، وأن على الحكومة الجديدة برئاسة رامي الحمدالله أن تتكفل بالموظفين من دون تمييز. أما الحمدالله، فأشيع أنه هدد في اجتماع مغلق بإعلان استقالة الحكومة إذا استمر إغلاق البنوك. وإذا أخذ كلامه على محمل الحرص على أن يتسلم الموظفون رواتبهم، فإنه يكفي التذكير بأنه الرجل نفسه الذي رأس حكومتين تابعتين لـ«فتح»، مارستا حملة حسومات سابقة بحقّ الموظفين أنفسهم.
مع ذلك، نفى رئيس نقابة الموظفين العمومية بسام زكارنة علمه بالأنباء التي جرى تداولها عن تهديد حكومة الحمد الله بالاستقالة. وطالب في تصريحات صحافية، «عقلاء حماس»، بضرورة إنهاء هذا الملف بسرعة «مع تجنب اتخاذ قوت الموظفين ورقة ضغط»، كاشفًا عن نية النقابة اتخاذ خطوات تصعيد إذا استمر إغلاق البنوك. زكارنة لم يكتف بالمناشدة من أجل إيجاد الحل، بل دعا حماس إلى «التعاون مع الدول التي كانت تدعمها حتى الانتهاء من الحوار في كل قضايا المصالحة». هنا تغيب أي أخبار عن إجراءات فعلية لطرق ضخ المال القطري، الذي أعلنه عدد من قادة «حماس»، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق إسماعيل هنية، وعضو المكتب السياسي خليل الحية. ولا شك أن أي دعم سيقدمه تميم بن حمد إلى حكومة التوافق، لا بد أن يكون وفق الشروط الدولية المتبعة في التمويل، قبل أن يصل أيدي موظفي حماس.
رسميا، قارب مسلسل تسليم المقارّ بين الحكومة الجديدة ونظيرتها المقالة على الانتهاء. فقد تسلم أمس وزيرا «العمل» و«شؤون المرأة» في حكومة «التوافق» مقري عملهما في القطاع، بعدما سبقهما وزيرا «التخطيط» و«العدل». وتبقى مقارّ الوزارات الأخرى دون حضور وزرائها الموجودين حاليا في الضفة المحتلة، كما التقى الوزراء الجدد، أمس، مبعوث الأمم المتحدة لعملية التسوية في الشرق الأوسط روبرت سيري، وهو أول لقاء يعقد رسميًّا مع مسؤولين دوليين في غزة.
(الأخبار)