الخرطوم | لساعات قليلة، حطّ وفد إسرائيلي في الخرطوم، في زيارة أُحيطت بسرّية تامّة، أجرى خلالها لقاءات مع رئيس «المجلس السيادي»، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ونائبه، قائد قوّات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي»، كلّاً على حدة، فضلاً عن قادة في الأجهزة الأمنية. وبحسب مصادر مطّلعة تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن «الجانب الإسرائيلي يريد المساعدة في إيجاد مخرج من الأزمة الحالية في السودان، ولا سيما مع ازدياد العنف والقتل والاعتقالات التي طاولت المتظاهرين». وكشفت المصادر أن هذه الزيارة «تزامنت مع وصول وفد إماراتي - سعودي عالي المستوى» إلى العاصمة السودانية. والظاهر أن إسرائيل تريد الحفاظ على المكاسب التي تَحقّقت لها في ظلّ وجود العسكر في السلطة، ولذا فهي تسعى إلى لعب دور في تسوية الوضْع، على نحو يحفظ للعسكر حصّته، وإن «ضحّت بقيادة الجيش لمصلحة البحث عن بديل للتخفيف من توتّر الشارع»، بحسب توصيف المحلّل السياسي، حاج حمد. ويلفت حمد، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «العلاقة السرّية التي جمعت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مع الأجهزة الأمنية السودانية في عهد عمر البشير، انتقلت إلى العلن بعد وصول الأجهزة الأمنية والجيش إلى السلطة»، معتبراً أن «تل أبيب تستشعر خطر الأزمة التي يواجهها حلفاؤها في الجيش والأجهزة الأمنية، بعد استعجال العسكر الاستفراد بالسلطة إثر الانقلاب على الحكومة المدنية، وهو ما أدى إلى مواجهة مستفحلة مع الشارع الغاضب، بدل أن يعمل العسكر تحت غطاء حكومي مدني حتى يتمكّن من تنفيذ الأجندة الخارجية المطلوبة منه». ويُعرب عن اعتقاده بأن إسرائيل التي دعمت الانقلاب، وكانت أوّل مَن أرسل وفداً أمنياً من «الموساد» إلى الخرطوم، «تفاجأت بقوّة الشارع وموقفه المناهض للحُكم العسكري» مضيفاً أن «تل أبيب ليس من مصلحتها أن يكون الشارع المناهِض للتطبيع معها في موقف أقوى من العسكر».
وتأتي زيارة الوفد الإسرائيلي، في ظلّ حراك دبلوماسي دولي لإيجاد مخرج للأزمة السودانية المستفحلة منذ 25 تشرين الأول الماضي. ويتصدّر هذا الحراكَ مساعِدةُ وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية، مولي في، ومبعوث واشنطن الخاص لمنطقة القرن الأفريقي، ديفيد ساترفيلد، اللذان حطّا في الخرطوم، «دعماً لمبادرة البعثة الأممية في السودان، يونيتامس»، بحسب بيان وزارة الخارجية الأميركية. وفور وصوله أوّل من أمس إلى السودان، عَقد الوفد لقاءات مع «تجمع المهنيين السودانيين»، والمجلس المركزي لـ«قوى الحرية والتغيير»، إضافة إلى عدد من الناشطين وممثّلي المجتمع المدني. وذكرت السفارة الأميركية في الخرطوم أن الوفد أعرب، خلال لقاءاته، عن قلق واشنطن حيال «تعطيل التحوّل الديموقراطي»، ودان بشدّة «استخدام القوّة غير المتناسبة ضدّ المتظاهرين»، مشدّداً على أن «واشنطن لن تستأنف المساعدات المتوقّفة للحكومة السودانية في غياب إنهاء العنف واستعادة حكومة بقيادة مدنية تعكس إرادة شعب السودان».
لكنّ تلك المواقف العالية اللهجة لم تمنع المسؤولَين الأميركيَّين من لقاء القادة العسكريين في «مجلس السيادة»، وعلى رأسهم البرهان و«حميدتي» والفريق ياسر العطا. وأكد البرهان، خلال هذه الاجتماعات، «التزام مجلس السيادة بالحوار الوطني الشامل والانتقال السياسي، وتشكيل حكومة بقيادة مدنية على أساس التوافق»، فيما شدّد الوفد الأميركي على ضرورة «تحديد طريقة مشتركة للتغلّب على المأزق السياسي»، متوعّداً بأن «بلاده ستدرس اتّخاذ تدابير لمحاسبة المسؤولين عن الفشل في المُضيّ قُدُماً في تحقيق هذه الأهداف». ويرى حاج حمد، في هذا الإطار، أن «تمادي الجيش والقوى الأمنية في استخدام العنف، هو ما دفع الإدارة الأميركية إلى إرسال وفد عالي المستوى إلى الخرطوم للاستماع وجمع المعلومات من القوى السياسية والقوى الفاعلة في الحراك الثوري». إلّا أن مراقبين آخرين يعتقدون أن الولايات المتحدة لن تمانع من ليّ إرادة «الشارع الثوري»، على رغم إداناتها اللفظية المتكرّرة للعنف المفرط الذي تتعامل به الأجهزة الأمنية مع المتظاهرين. وبينما تُحاول واشنطن تصعيد الضغوط على العسكر بهدف انتزاع تنازلات منهم، مُمارِسةً، في خضمّ ذلك، ضغوطاً على الأطراف الإقليمية الداعمة للجيش للامتناع عن تقديم أيّ دعم مالي لحلفائها في الوقت الحالي، فهي تسعى، على ما يبدو، إلى تشذيب الحالة الانقلابية، بما يُحقّق مصالحها الاستراتيجية، ويضْمن في الوقت نفسه مصالح حليفها الإسرائيلي، الذي بدا، في خلال الأشهر الماضية، أن ثمّة افتراقاً عنه في تقدير الموقف في السودان.