بدا واضحاً يوم أمس أن كلاً من الولايات المتحدة والسعودية، بغض النظر عن دورهما في التطورات الميدانية الأخيرة في العراق، تحاولان تثمير الواقع المستجد لابتزاز كل من بغداد وطهران والعمل على تعديل التوازنات الداخلية وتوزيع الكعكة العراقية بين الأطراف المتصارعة. انعكس ذلك في حسم الرئيس الأميركي باراك أوباما مسألة القي
ام بعمليات عسكرية ضد «داعش»، محملاً ما حصل لـ«فشل القادة العراقيين في تخطي الخلافات». موقف يتقاطع مع مقاربة الرياض التي اتهمت رئيس الوزراء نوري المالكي بالإخفاق في مواجهة التطرف وبـ«حث الأمور على الانفجار في بعض الأحيان». أما أنقرة التي توعدت بردّ قاسٍ على احتجاز مواطنيها في القنصلية التركية في الموصل ملوحةً بعملية عسكرية، فقد تراجعت عن التدخل، بعدما تعهد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بذل جهود دبلوماسية فقط، للإفراج عن الرعايا الأتراك.

«سخرية» سعودية

وحمّل تركي الفيصل حكومة المالكي مسؤولية سقوط مساحات واسعة من الأراضي في شمال العراق بيد «داعش»، قائلاً إن بغداد «أخفقت في وقف ضم صفوف المتشددين الإسلاميين والبعثيين من عهد صدام حسين».
وأضاف في اجتماع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في روما أن تقدم قوات «داعش» ليس مفاجئاً، إذ إن الوضع في محافظة الأنبار «يغلي منذ زمن»، متهماً الحكومة العراقية «ليس بالتقاعس فقط»، بل بـ«حث الأمور على الانفجارات في بعض الأحيان».

أكدت هيلاري
كلينتون أن التدخل العسكري الأميركي فى العراق ليس مناسباً الآن
ورأى الفيصل الذي يرأس حالياً مركز «إدارة مجلس الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية» أن «داعش» لا يملك بمفرده القوة لتحقيق هذا التقدم، بل تقف بجانبه تشكيلات قبلية وبعثيون وجماعات أخرى تعمل في العراق منذ الغزو الأميركي.
وفي شأن الحديث عن تدخل أميركي وإيراني محتمل، قال الفيصل إنّ «من السخرية أن نرى الحرس الثوري الإيراني يقاتل جنباً إلى جنب مع الطائرات الأميركية دون طيار لقتل العراقيين». وتابع: «إن هذا المشهد يفقد المرء صوابه ويجعله يتساءل إلى أين نتجه»، مشيراً إلى أن بلاده تعارض بشدة «داعش» المدرج على قائمة الإرهاب السعودية.

أوباما: لا تدخّل

وقال أوباما إنه طالب فريق الأمن القومي بإعداد خيارات لمعالجة الأوضاع هناك. وأكد في مؤتمر صحافي، أمس، دعم القوات المسلحة العراقية بالتعاون مع دول المنطقة، مشيراً إلى أنها لم تواجه مسلحين بأعداد كبيرة، ما يدل على وجود «مشكلة عقائدية». كذلك حمّل مسؤولية ما يجري «لفشل القادة العراقيين في تخطي خلافاتهم»، داعياً العراقيين إلى «التوحد لمواجهة الإرهاب». وقال أوباما إن أي عمل عسكري لا يترافق مع جهود سياسية سيكون مصيره الفشل.
في هذا السياق، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة لا تتباحث مع إيران بشأن الأزمة في العراق. ونفت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية ماري هارف ما يشاع عن «انفتاح» واشنطن على مشاورات مع طهران في هذا الخصوص، مذكرة بأن البلدين لا يرتبطان بعلاقات دبلوماسية منذ 34 عاماً. ودعت هارف جيران العراق، بمن فيهم الإيرانيون، إلى «الامتناع عن القيام بأي عمل من شأنه المزيد من زعزعة الوضع وتغذية التوتر الطائفي».
وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، قد توقع في وقتٍ سابق أمس، أن يتخذ أوباما «قرارات سريعة» بشأن العراق بسبب «فداحة الموقف». وأشار كيري، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره البريطاني وليام هيغ، إلى أن واشنطن ستواصل جهودها لمساعدة الحكومة في بغداد في محاربة «الدولة الإسلامية في العراق والشام». ودعا المالكي وقادة العراق إلى تنحية الخلافات الطائفية وإقامة جبهة موحدة.

حذار «سوريا ثانية»

وأثيرت في الأيام الماضية النقاشات في أوساط الجمهوريين بشأن عملية عسكرية محتملة لأميركا في العراق، إذ انتقد السيناتور الجمهوري جون ماكين قرار أوباما بالانسحاب من العراق، وكذلك السياسات التي اتبعتها الإدارة الأميركية في الشأن العراقي في فترة ما بعد الانسحاب. ورأى ماكين أن الحرب تنتهي «عندما يُهزم الأعداء»، ما يعني أن الحرب في العراق لم تنتهِ لأن «القوى التي تحارب ضد العراق لم تهزم بعد». وأكد ماكين في خطاب له خلال جلسةٍ للكونغرس ناقشت التطورات الأخيرة في العراق، أن الانسحاب الأميركي «ترك العراق في مواجهة تهديد الجماعات المتطرفة»، مضيفاً أن المالكي لم يتمكن من اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة تلك الجماعات. كذلك حذر من احتمال «تحول العراق إلى سوريا ثانية أو إلى دولة خلافة مستعادة».
من جهتها، أكدت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، أن التدخل العسكري الأميركي فى العراق ليس مناسباً الآن. وقالت كلينتون في حديثٍ لـ«بي بي سي» إن بلادها لن ترسل قواتها إلى العراق، «على الأقل ليس في المستقبل القريب».

أردوغان: مع الدبلوماسية

في هذا الوقت، انتقد أردوغان الدعوات إلى عمل عسكري سريع في العراق من أجل تحرير المختطفين، مشيراً إلى «تعذر» تنفيذ عمل عسكري، فيما أكد بذل الحكومة جهوداً مكثفة من أجل تخليصهم بالوسائل الدبلوماسية. وأضاف أردوغان، خلال مناسبة محلية، أن الأولوية الآن لـ«سلامة مواطنينا في الموصل»، لذلك «لا يمكننا أن نتصرف بشكل انفعالي مثل أحزاب المعارضة». وأعلن أردوغان أنه اتصل هاتفياً بالقنصل التركي المختطف في الموصل، لافتاً إلى أن المحاولات مستمرة من جانب أنقرة لإعادة المختطفين إلى عائلاتهم.
وكان وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو قد توعد بـ«رد قاسٍ» في حال تعرُّض الرعايا لخطر، وتحدث وزير العدل التركي عن احتمال شن عملية عسكرية لبلاده في شمال العراق.
وأكد نائب رئيس الوزراء التركي بولند أينج، أمس، أن تركيا كانت قد تلقت تحذيرات من احتمال وقوع هجوم على قنصليتها في الموصل، حيث تحتجز «داعش» 49 من الموظفين رهائن، بينهم القنصل. وأكد أرينج أن السلطات التركية على اتصال هاتفي مع الرعايا المحتجزين، قائلاً إن الرهائن «لم يتعرضوا لمعاملة سيئة» منذ بدء فترة حجزهم. وفيما أمل وصول أخبار سارة قريباً بشأن الرهائن، أكد أن الوضع «لا يزال هشاً». ونفى المسؤول التركي أي دعم من حكومته لمقاتلي «داعش»، وأعاد تأكيد ما قالته أنقرة عن أن لا علاقة لها بهذا التنظيم، قائلاً إن بلاده «لا تقدم أسلحة لهذه المجموعة أبداً».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، الأناضول)