غزة | تعيش الفصائل الفلسطينية والأذرع العسكرية في قطاع غزة حالة صمت مطبقة إزاء حادثة فقدان ثلاثة جنود إسرائيليين من الخليل، جنوب الضفة المحتلة، وهي التي ما لبثت تتوعد جنود الاحتلال بالأسر من أجل مبادلتهم والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين. تذرع مسؤولو الفصائل الكبرى وبعض المجموعات الصغيرة في رفضهم التصريح لـ«الأخبار» بشأن الحادثة، إما بأنهم لا يمتلكون معلومات فعلًا عن عملية الأسر، وإما بتجنبهم التصريح بأي شيء يخدم الاحتلال بطريقة ما.
رغم ذلك، فإن أولئك المسؤولين أكدوا أنهم يستنفرون طاقاتهم للتجهيز لصد أي عدوان محتمل بعدما وردتهم معلومات بحشد الاحتلال جنوده على حدود القطاع على ضوء الاحتمال الذي أقامته دوائر الاستخبارات الإسرائيلية لجهة نقل المستوطنين المفقودين عبر نفق حدودي، عينه الأولى في النقب أو مكان ما من الأراضي المحتلة، والأخرى في غزة.
بينما أعلنت قوات الاحتلال إخفاقها في التوصل إلى مصير المستوطنين الثلاثة بعد أكثر من 36 ساعة على فقدانهم، باشرت الدوائر الأمنية والماكينة الإعلامية العبرية نفخ بالونات اختبار تمكنها من التعرف على مكان محتمل لوجود المفقودين، في ظل غياب كامل للمعلومات المتعلقة بحيثيات الواقعة. في المقابل، لا يعلم هل هناك وجود لقرار تنظيمي مشترك بحجب الإفصاح عن أي معلومات في هذا الشأن، أو حتى التعليق على القصف المتفرق الذي طال مناطق متفرقة من القطاع وإعادة معادلة الاحتفاظ بحق الرد، لكن التحليلات تذهب باتجاه ارتفاع الحس الأمني لدى المقاومة على نحو يضمن الحفاظ على الأسرار حتى ثبوت عملية الأسر.
إزاء هذا الصمت الذي قدره محللون ومتخصصون فلسطينيون في الشأن الإسرائيلي، تحاول تل أبيب رسم سيناريوات مختلفة في عدة اتجاهات، وفحواها تعقب طرف خيط من الممكن أن يدل على الجهة المنفذة. ويقرأ المتخصص عدنان أبو عامر في نشر الإعلام العبري صورة تضم عدداً من قادة «حماس»، بينهم إسماعيل هنية، ويدّعى أنهم يقفون خلف التخطيط لعمليات أسر الجنود، على «أنها تحمل دلالات كبرى في ما يتعلق بقادم الأيام وطبيعة الصراع بين تل أبيب والحركة».
على ضوء حرب الأعصاب القائمة، شجع أبو عامر في حديثه لـ«الأخبار» على التزام الصمت ومنع التجاوب مع ما يثار إعلامياً، مطالباً وسائل الإعلام بتجنب إحراج القيادات الفلسطينية من أجل الحصول على تصريح «يعطي الاحتلال فرصة الاصطياد في الماء العكر».
على هذا المنوال، حذر الإعلامي ناصر اللحام من مغبة التعاطي مع التضليل الإعلامي والأمني «لأن الهدف منه الحصول على ردود فعل فلسطينية والإيقاع بالفصائل». ولفت في حديث مع «الأخبار» إلى أن الأمن الإسرائيلي تسلّم منصة الإعلام، «وهو يعمل على فلترة الرسائل الموجهة ضمن سياسة التضليل سعياً إلى الوصول إلى المستوطنين وهم على قيد الحياة، وتلافياً لمصير مشابه للأسير الطيار رون آراد أو تكرار تجربة الجندي جلعاد شاليط».
في وقت تذهب فيه قوات الاحتلال باتجاه تكثيف وجودها في الخليل واستدعاء عدد كبير من جنود الاحتياط، اتهمت الأطر السياسية في تل أبيب، قطاع غزة، بالوقوف خلف العملية في الضفة. هنا ينبّه الكاتب والمحلل السياسي، نهاد الشيخ خليل، إلى «التمويه والحيلة التي من الممكن أن يستخدمها الاحتلال في تلويحه باستخدام القوة ضد غزة لغاية إعطاء الخاطفين فرصة للراحة، «ثم يتمكن من مباغتتهم». واستدل الشيخ خليل على قوله بحادثة المفاوضات التي نفذتها حكومة إسحق رابين مع حركة «حماس» حين جرت محاولة تحرير الجندي ناحشون فاكسمان الذي اختطف في تشرين الأول عام 1994، شارحاً لـ«الأخبار»: «إسرائيل كانت تفاوض كي تموّه على خطتها المتعلقة باقتحام البيت الذي احتُجز فيه فاكسمان في بير نبالا في الضفة، وقد تمكنت من اقتحام المنزل وانتهت الحادثة بقتل الأسير وخاطفيه الثلاثة».

حكومة رابين كانت تفاوض «حماس» للتمويه على محاولة تحرير جندي
كل ما أمكن التقاطه حتى كتابة التقرير تصريحان: واحد للمتحدث الرسمي باسم «حماس» سامي أبو زهري، والثاني للنائب في المجلس التشريعي عن الحركة، مشير المصري. الأول قال إن حركته ترفض تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي اتهم فيها «حماس» صراحة بالمسؤولية عن أسر 3 مستوطنين. ووصف أبو زهري تصريحات نتنياهو بـ«الغبية» وأنها «ذات بعد استخباري»، لكنه لم يقدم توضيحاً لمقصده من «البعد الاستخباري» مع تحذيره من عدوان متوقع. أما المصري فقال إن الأسر رواية إسرائيلية بدرجة أولى «لكن أسر الجنود حق مشروع للمقاومة، رغم أن أحداً لم يعلن مسؤوليته». وتابع: «حملة الاعتقالات التي شنّها الجيش الإسرائيلي في الضفة واستهدفت قادتنا وعناصرنا لن تثنينا عن مواصلة المقاومة. بل هي تعكس حالة التخبط والإرباك التي يعيشها قادة الاحتلال».
وسبق الاثنين تغريدة للمتحدث باسم «كتائب القسام» التابعة لحماس، أبو عبيدة، قال فيها: «طالما بقي فلسطيني مقاوم في الضفة لن يهنأ الاحتلال»، ثم عاد المكتب الإعلامي لـ«القسام» لمطالبة الإعلاميين بتوخي الحذر في النقل عنه دون الرجوع إلى موقعه وصفحاته الرسمية.
ولا يبدو أن التلويح باستخدام القوة ضد غزة يندرج تحت سيناريو تهريب المفقودين الثلاثة إليها، فهو أمر يستبعده مراقبون وذوو علاقة بالشأن العسكري، وخصوصاً في ظل المسافة الفاصلة بين القطاع والخليل التي تزيد على 35 كم وتشوبها تعقيدات جغرافية وأمنية كثيرة، لكن ذلك لا ينفي الاحتمال المقابل. المراقبون أنفسهم رأوا في قرار الاحتلال إغلاق معابر القطاع أول من أمس، ونشر بطاريات للقبة الحديدية في مدينة أسدود المحتلة، أنه لتوجيه «ضربة انتقامية وإجراءات عقابية» في حال الإخفاق في حل لغز اختفاء مستوطنيه.