غزة | «مباركة عملية الخليل التي أدت إلى فقدان ثلاثة جنود إسرائيليين واختفاء آثارهم»، هذا هو الموقف الموحد الذي أعلنه أهالي الأسرى في قطاع غزة. بمجرد أن بدأ الخبر ينتشر، حتى تعالت زغاريد أمهات الأسرى وزوجاتهم في منازلهن ابتهاجاً بالحدث، وخاصة في هذا التوقيت الذي يعاني فيه الأسرى المضربون عن الطعام خطر الموت.
على مدار ثلاثة أيام، تبادل الأهالي التهاني في ما بينهم كأن عملية الأسر والتبادل تمت. هم يرون أن ما أقدمت عليه المقاومة في حال ثبوته خطوة جريئة يمكنها أن تشفي غليلهم بعدما حبسوا أنفاسهم على أبنائهم الذين يخوضون معركة حقيقية داخل الزنازين. كذلك هم أكثر من يعلم مقدار الألم الذي يشعر به الإسرائيليون الآن، لأنهم أصحاب تجربة في الوجع المشترك بينهم ويبن فلذات أكبادهم، ولا سيما أن ما يقرب من 80 أسيراً من المضريين يواجهون كل لحظة خطر الموت على أسرّة المستشفيات الإسرائيلية.
في ظل هذا كله، ومع تضارب الأنباء وتأخر إعلان جهة مسؤوليتها، فإن أهالي الأسرى لا يعتبون على المقاومة في حال عدم نجاح العملية، رغم تمنّيهم ودعائهم الدائم لنجاحها، لكنهم يعلمون أن هناك من يعمل ليل نهار من أجل فك أسر قيد أبنائهم ،كما حدث قبل عامين.
والدة الأسير محمد عواجة، المحكوم بثلاثة مؤبدات لمحاولته قتل جندي إسرائيلي، انشرح صدرها حين سمعت بالخبر، فراحت توزع الحلوى على جاراتها. تقول عواجة: «عاد إليّ الأمل الذي فقدته في صفقة الأسرى السابقة، فحرية ابني باتت قاب قوسين أو أدنى... حتى إن طالت المفاوضات مع الإسرائيليين».
وتضيف لـ«الأخبار»: «أملي خاب في الصفقة الماضية، لكن هذه المرة أرجو الله أن يتحرر ابني وكل الأسرى»، مشيرة إلى معاناتها التي تعيشها لتتمكن من زيارة ابنها في السجن ثلاث مرات سنوياً على أكثر تقدير.
أما عن قرار منع الأهالي من الزيارة في إجراء عقابي اتخذه الاحتلال بعد الحادثة مباشرة، فيعلق إبراهيم المقوسي، وهو والد الأسير محمد، بالقول: «هذه ليست المرة الأولى التي نمنع فيها من زيارة أبنائنا، لكننا نأمل أن تكون الأيام الأخيرة للأسرى في سجون احتلال لا يرحمهم، ولا يحترم حقوق الإنسان». ويتابع المقوسي لـ«الأخبار»: «لا شك أننا سنعاني ويلات الحرمان، لكن ذلك كله سيزول بعدما نحتضن أبناءنا ونراهم يتمتعون بالحرية وثمرة تضحياتهم».
لا تختلف حال الأسرى داخل السجون عن عائلاتهم، فالفرحة العارمة سادت أوساطهم. هذا ما نقلوه إلى أسرهم وأطفالهم عبر بعض الهواتف النقالة التي هربت إليهم. يكمل والد المقوسي: «أبناؤنا داخل السجون قادرون على التحدي، وأكدوا أنهم سيواصلون إضرابهم بالتزامن مع ما يحدث خارج المعتقلات»، مؤكداً مباركة الأسرى العملية وتمنيهم الإفراج عنهم قريباً «وأن تشملهم جميعاً حتى لا يبقى أي منهم في قبضة الاحتلال».
من جانبه، قدّر المحرر والمبعد إلى غزة، مصطفى مسلماني، أن ما قاد إلى هذه النتيجة «هو سياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني عموماً والأسرى خصوصاً»، شارحاً: «اتخذت حكومة الاحتلال جملة من القرارات تجاه المضربين عن الطعام، في مقدمها التغذية الإجبارية ومنع إطلاق أي أسرى شاركوا في عمليات وقتلوا جنوداً ومستوطنين».
وأشار مسلماني لـ«الأخبار» إلى أن اتفاق 2012 م الذي عقد برعاية الجانب المصري قضى بوقف سياسة الاعتقال الإداري، «لكن إسرائيل تنصلت من هذا الاتفاق وبقي الإداري على ما هو عليه، فجاءت إضرابات الأسرى رداً على سلبية الاحتلال، ونجح بعض الأسرى في التحرر جراء الإضراب الفردي». وتابع حديثه: «الأسرى وصلوا إلى نتيجة مفادها ضرورة تنفيذهم خطوات جماعية للمطالبة بحقوقهم، لكن الحكومة الإسرائيلية واجهتهم بقسوة واستفزت المقاومة التي يبدو أنها قررت تنفيذ عملية أسر».
ويطالب المحرّر «الجهات الآسرة أيّاً كانت، في حال نجاح العملية، بأن تدير عملية المفاوضات بحكمة، وأن تكون الأولوية للأسرى القدامى وعلى أسس وطنية لا حزبية»، مضيفاً: «من الضروري إطلاق الأسرى بناءً على الأقدمية، كما يجب أن لا نتجاوز أي أسير من الأراضي المحتلة عام 1948 والقدس». ونبّه من موقعه إلى خطورة عملية إبعاد عدد من الأسرى خارج الضفة المحتلة «لأن الأسير سيحرم رؤية ذويه كما حالنا اليوم».