لم تطل المدة الفاصلة بين أسر المستوطنين الثلاثة في الضفة المحتلة، وإقرار القيادتين الأمنية والسياسية في إسرائيل بالعجز عن إنقاذهم، الأمر الذي اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الانتقال من تحميل السلطة الفلسطينية المسؤولية عن العملية ومصير المستوطنين، إلى طلب «النجدة» منها، ومساعدة الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية. جاء ذلك عبر اتصال أجراه نتنياهو مع رئيس السلطة محمود عباس أمس، وتباحثا فيه المسألة، إلى جانب تقارير عن تحرك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على الخط نفسه، بناء على طلب جهات عسكرية إسرائيلية.
رد الفعل الإسرائيلي الرسمي على عملية الأسر، جاء وفق عدة مسارات أمنية وسياسية، إضافة إلى اعتماد استراتيجية «تدفيع الثمن» عبر شن حملة اعتقالات واسعة، وبث تقارير ومواقف تتحدث عن توصيات بعملية كبيرة في الضفة. هذه الإجراءات وأخرى يجري التلويح بها، منها ما يتصل بمصير المستوطنين فعلًا، وأخرى لغايات سياسية، فضلا عن محاولة تعزيز قدرة الردع، التي تصدعت منذ لحظة المبادرة إلى عملية أسر نوعية في قلب المنطقة التي تخضع لآذان وعيون وأيدي الأجهزة الإسرائيلية، كما يبدو أن تل أبيب تسعى إلى استغلال الحادثة لإعادة إنتاج واقع سياسي وأمني مغاير في الضفة، وهو أمر بات ملحًا من منظور إسرائيلي، في أعقاب المصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس».
أيضًا، فإن الانتقال السريع للقيادة السياسية الإسرائيلية إلى مرحلة طلب العون بعد أربعة أيام على العملية من جهات خارجية كعباس والسيسي، ما كان ليجري بهذه السرعة لولا تقارير وتقديرات استخبارية تسلم بإخفاق التوصل إلى طرف خيط يمكّن من إنقاذ المستوطنين، زيادة على إدراك نتنياهو أن قيادته الدولة تمر بمرحلة اختبار، وأنه بات في موقع «المضغوط» إن لم يحلّ سريعا لغز المستوطنين.
في هذه الأجواء، تحدث نتنياهو مع عباس، وعبر عن أمله في الحصول على مساعدة الأخير في الإفراج عن المستوطنين، واعتقال المقاومين الذين نفذوا العملية، كما أكد مكتب نتنياهو. وهذا ليس مفاجئًا، أنه طالب الرئيس الفلسطيني بإدراك أبعاد الشراكة مع «حماس»، وأن هذه الشركة «سيئة لإسرائيل والسلطة والمنطقة»، كما نقلت تقارير إعلامية إسرائيلية.
وامتدادا للاستراتيجية الإسرائيلية المعتمدة في أعقاب عملية الأسر، كشفت تقارير عبرية توصيات قدمتها المؤسسة الأمنية إلى المستوى السياسي، تطالب فيها بالسماح لها باقتلاع «حماس» من الضفة، وتحويل تحدي الأسر إلى فرصة. ضمن الإطار نفسه يندرج ما أعلنه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بني غانتس، خلال لقاء مع عدد من كبار الضباط في «قيادة المنطقة الوسطى»، قائلا إن الجيش يتجه إلى معركة مهمة. وأكد غانتس أن للجيش هدفا واحدا هو «العثور على المستوطنين الثلاثة، وإعادتهم إلى بيوتهم، وتوجيه أقسى ما يمكن من الضربات إلى حماس».
في ما يتعلق بالمسار الأمني الذي يغلب عليه الطابع السري، أكد عضو الكنيست عن حزب الليكود، تساحي هنغبي، أن التنسيق الأمني مع الأجهزة الفلسطينية لا يزال مستمرًا. ورأى، خلال مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، أن «محمود عباس يدرك الآن الخطأ الذي ارتكبه بكل ما يتصل بالمصالحة مع حماس». أما في ما يتعلق بالتوظيف السياسي، فقد أكد هنغبي أن الممثليات الإسرائيلية في العالم تبذل جهودها لتوضيح العلاقة بين «حماس» والسلطة «الأمر الذي ساهم في تنفيذ الاختطاف».
في السياق، كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن عبد الفتاح السيسي يشارك من وراء الكواليس في الجهود للإفراج عن المستوطنين الثلاثة «بناء على طلب من جهات عسكرية إسرائيلية». وأضافت الصحيفة أن «السيسي تعهد أيضا منع منفذي العملية من الانتقال إلى مكان آخر في سيناء أو قطاع غزة». ولفتت «يديعوت» إلى توصية قدمها مسؤول مصري رفيع إلى مسؤولين إسرائيليين، مفادها أنه «من أجل الحصول على نتائج يجب الحفاظ على السرية ومنع كشف تفاصيل عملانية لوسائل الإعلام»، مذكرا إياهم بقضية الجندي الذي كان أسيرا لدى «حماس»، غلعاد شاليط، بالقول: «ارتفع ثمن الصفقة بسبب طوفان النشر». كذلك، ذكرت صحيفة «هآرتس» أن قوات الأمن المصرية في سيناء تعمل بتنسيق تام ووثيق مع إسرائيل، «وهو ما من شأنه أن يربك حركة حماس». وأضافت الصحيفة: «قوات الأمن المصرية تلقت تعليمات في الأيام الأخيرة برفع درجة التأهب على طول الحدود مع غزة». أيضا، عادت «يديعوت» لتقول إن إسرائيل تسعى في رد فعلها على أسر المستوطنين إلى «تحقيق هدفين أساسيين: زرع الشقاق بين فتح وحماس وتدمير صورة حكومة الوحدة أمام المجتمع الدولي، عبر دفع حماس إلى الرد بعنف على الإجراءات الإسرائيلية. ثم استغلال إسرائيل ذلك لتدمير مستودعات الصواريخ في غزة».
ولفتت إلى أن الصورة التي تتضح مما ينشر عن عملية الأسر «تؤكد أن الخلية التي نفذتها جدية ومهنية، فهي تجيد مهمة التمويه والخداع والإخفاء، والدليل أن اختيار مكان التنفيذ لم يكن مصادفة، لأن المحطة التي وقف فيها الثلاثة هي الوحيدة في تلك المنطقة التي ليس فيها للجنود دوريات، وما من موقع عسكري قربها يرابط فيه الجنود حتى منتصف الليل».
في ختام اجتماع الكابينيت مساء أمس، شدد نتنياهو على أن عملية البحث عن المستوطنين معقدة، وأنها قد تستغرق وقتا، مضيفا: «نعمل ضد حماس، وقد اعتقلنا أكثر من 100 من ناشطي حماس، ونواصل نشاطا آخر، ولا أريد أن استطرد في الحديث عن ذلك». وحذر من أن «هناك من يحاول فتح جبهة أخرى من غزة، وقد جاء ردنا بقوة وحزم، وإذا اضطررنا فسنتخذ إجراءات أكثر صرامة»، كاشفًا عن أنه تحادث هاتفيا مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وشكره «على شجبه عملية الاختطاف».
ونقلت الإذاعة العبرية أن الاجتماع بحث اقتراحات، منها إبعاد قادة حماس بمن فيهم أعضاء المجلس التشريعي الذين اعتقلوا في الأيام الأخيرة إلى غزة، وإغلاق المؤسسات التابعة للحركة، وضرب مصادر تمويلها، وهدم بيوت ناشطين.